قال الشعراني في كشف الغمة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما يسأل عن الميتة فيقول: «يطهر الماء والقرط » قال ودخل - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك على أهل بيت فإذا قربة معلقة فسأل الماء فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة، فقال: «دباغها طهرها » فدلت هذه الأحاديث جميعها على نجاسة الميتة بعضهما دال بعبارته كحديث جابر وعبدالله بن عكيم وبعضها دال بإشارته كحديث أبي هريرة والزهري وأحاديث النزح وتطهير الجلد بالدباغ فإنها لو لم تكن الميتة نجسة لما أهريق ما وقعت فيه ولا نزحت البئر بسبب وقوعها فيه ولا احتاج جلدها إلى تطهير بالدباغ إذا لا معنى لتطهير الطاهر ودلالة العبارة والإشارة أقوى ما يكون من الدلالات عند الأصوليين والحديث الذي استدل به هذا المبتدع على طهارة الميتة لا تشبث له به لأن غاية ما فيه جواز الانتفاع بالميتة ولا يستلزم ذلك عدم نجاستها فقد أجمعت الأمة المحمدية على نجاسة الميتة وممن حكى الإجماع في ذلك الفخر الرازي في مفاتيح الغيب ولو لم يكن حجة إلا إجماع الأمة لكفى ولم يقل أحد منهم أصلا بطهارتها وإنما اختلفوا بجواز الانتفاع بإهابها على سبعة أقوال حكاها النووي في شرح مسلم ولفظها هنالك، أحدها: مذهب الشافعي أنه يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وغيره، ويطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه ويجوز استعماله في الأشياء المائعة واليابسة ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وروي هذا المذهب عن علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود.
والمذهب الثاني لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ وروي هذا عن عمر بن الخطاب وابنه عبدالله وعائشة وهو أشهر الروايتين عن أحمد وإحدى الروايتين عن مالك.
والمذهب الثالث: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم ولا يطهر غيره وهو مذهب الأوزاعي وابن مبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه.
والمذهب الرابع: يطهر جميع جلود الميتات إلا الخنزير وهو مذهب أبي حنيفة.
مخ ۲۱