فإن قيل إنما ذكرته لا يصح على القانون النحوي فإن الضمير قوله تعالى: { فإنه رجس } مفرد ولا يعود إلا إلى مفرد وإذا كان عائدا إلى الثلاثة للزم مطابقة الضمير لما عاد مفرد ولا يعود إلا إلى مفرد وإذا كان عائدا إلى الثلاثة للزم مطابقة الضمير لما عاد إليه فيجيب أن يؤتى به ضمير الجماعة كما هو القاعدة.
قلنا: إنما أفرد ذلك الضمير باعتبار إعادته إلى المذكور أو باعتبار أن الضمير جعل كناية عن تلك الثلاثة جميعها وقد يكنى بالضمير المفرد عن الأشياء المتعددة كما صرح به الزمخشري وغيره وأنشدوا عليه قول رؤبه:
فيها خطوط سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
قال الزمخشري: قال أبو عبيدة: قلت لرؤبه إن أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما، فقال: أردت كأن ذلك ويلك انتهى بمعناه وأراد بقوله أردت كأن ذلك الكناية عن جميع ما ذكره في البيت ورؤبه هذا عربي يحتج بكلامه، وأبو عبيدة هذا أحد أئمة العربية ولم يعب عليه.
وإن قيل لا يلتزم من وصف الدم بأنه رجس وجود نجاسته لأن الرب تعالى قد وصف الخمر بأنه رجس من عمل الشيطان وقد علل تحريمها بذلك فلم يجتمع على نجاستها.
قلنا: إنما اختلف في نجاسة الخمر مع وصفها بالرجس لاحتمال وقع في الآية، لا يوجد ذلك الاحتمال في آية الدم وهو أنه نجاسة الثلاثة غير محسوسة وتعذر وقوع حقيقة النجاسة فيها عدل في الآية عن الحقيقة إلى المجاز، فقيل إنما وصفت الثلاث بالرجس مبالغة في خستها فاحتمل الاختلاف في الخمر فقيل هل هي نجسة لاحتمال وجود حقيقة النجاسة فيها بخلاف الثلاث أولا وإنما وصفت بالرجس لخستها كالثلاث وهو الصحيح عندي قولان فظهر أن وصف الخمر بالرجس ليس كوصف الدم به، وأما علة تحريمها فهي لا لأنها نجسة بل لإسكارها كما هو معلوم.
وأيضا فالدم معطوف على الميتة والميتة نجسة بالإجماع وحكم المعطوف هنا حكم المعطوف عليه باتفاق.
مخ ۲