وظل على ظنه هذا حتى ذهب مع صديقيه هشام دردير وحمدي الفنجري إلى ذلك الرجل الذي قالا عنه إنه صديقهما، وهناك رأى فكري عجبا.
البيت في شارع الشيخ فواز بالمهندسين والعمارة شاهقة لم يستطع أن يعرف عدد أدوارها إلا حين قرأ رقم 12 في المصعد، والصديق الذي ذهبا إليه يسكن هذا الرقم، فهو في أعلى العمارة فيها شقتان متصلتان، تطلان على ما كان سطحا ثم أصبح جنة من جنان الأرض، فالأنوار فيه باهرة والأركان نوافير والجدران حلي وتهاويل، كلها أشكال تنير وتثير في وقت معا.
وحتى يبلغ السطح أو الذي كان سطحا كان قد اخترق بعض غرف أحس وهو يخطو إليها من الباب الخارجي، ثم وهو يخطو فيها أنه في فتحة الباب قد انتقل من إنسان يحيا في القاهرة المعزية إلى ممثل في أروع ما أنتجته السينما الأمريكية من تجميل للبيوت.
لقد تولاه البهر والذهول منذ اللحظة الأولى، وما فكري بفقير وإنما هو ابن تاجر موفور، ويسكن أيضا شقتين متصلتين، ويحيا حياة لا تعرف إلا الرغبة المجابة في المأكل والمشرب والملبس، ولكن أين هذا جميعا مما هو رائيه الآن، دنيا غير التي عرف وحياة غير التي يحيا، واستقبله بالباب خادم واضح أن صاحب البيت رسمه ليكون جزءا من هذا الإبهار، ووضح له أن الخادم يعرف صاحبيه فهو يقول في ألفة: تفضلا البك في الروف.
ويخطو فكري معهما ذاهلا واعيا شاردا منتبها، لا يفكر في شيء إلا سؤال ظل يتردد في ذهنه ويدق مشاعره: ما هذا؟ أين أنا؟ أين أنا؟ وكان ذهوله قد بلغ منتهاه، حين خطا خطوته الأولى إلى السطح وأدرك صاحباه ما ألم به، فهما أيضا مرا بما يمر به اليوم حين صحبهما إلى هذا الحلم المحقق زهران قدري زبون رفعت الفنجري والد حمدي إلى صديقه صاحب هذا البيت.
لقف كل من الصديقين ذراعا لفكري وقاداه ذاهلا واعيا، وأوقفاه وجاء إلى أذنيه صوت كان عنه تائها وخيل إليه أنه صوت حمدي: أهلا علوان بك، هذا صديقنا فكري بن فؤاد محمدين صاحب المحلات المشهورة بالحمزاوي.
ورأى فكري نفسه واقفا أمام شخص قصير القامة أصلع الشعر، أو هكذا خيل لفكري على الأقل، وصاح حمدي: ما لك التهيت هذه اللهوة الكبرى، أفق وسلم على علوان بك سلطان، لا مؤاخذة يا علوان بك أنت طبعا تعرف حالة الواحد منا حين يأتي إلى هنا لأول مرة.
وقال علوان: مرحبا، مرحبا فكري باشا، كلمني عنك حمدي وهشام كثيرا. - مرحبا سعادة البك. - اسمع أنا أعرف أنك لن تستريح حتى ترى البيت كله، خذه يا حمدي وفرجه على البيت.
ورأى وازداد ذهولا كل غرفة مصنوعة خصيصى لتجعل الداخل إليها يكاد يغيب عن الوعي.
وحين عاد إلى مجلس علوان كان الإعجاب الحائر واضحا عليه، وأراد علوان أن يجتذبه من دواره: مبروك الثانوية العامة.
ناپیژندل شوی مخ