لأن الباري تعالى متصف بكماله اللائق به لاستحالة النقص عليه، ومع ذلك فهو مدرك لذاته وكماله، فيكون أجل مدرك لأعظم مدرك بأتم إدراك ولا نعني باللذة إلا ذلك.
وأما المتكلمون فقد أطلقوا القول بنفي اللذة، إما لاعتقادهم نفي اللذات العقلية، أو لعدم ورود ذلك في الشرع الشريف، فإن صفاته تعالى وأسماءه توقيفية، لا يجوز لغيره التهجم بها إلا بإذن منه لأنه وإن كان جائزا في نظر العقل لكنه ليس من الأدب لجواز أن يكون غير جائز من جهة لا نعلمها.
قال: (ولا يتحد بغيره لامتناع الاتحاد مطلقا).
أقول: الاتحاد يقال على معنيين: مجازي وحقيقي.
أما المجازي: فهو صيرورة الشئ شيئا آخر بالكون، والفساد، أما من غير إضافة شئ آخر كقولهم: [كما يقال]، صار الماء هواء وصار الهواء ماء، أو مع إضافة شئ آخر كما يقال: صار التراب طينا بانضياف الماء إليه.
وأما الحقيقي: فهو صيرورة الشيئين الموجودين شيئا واحدا موجودا.
إذا تقرر هذا فاعلم أن الأول مستحيل عليه تعالى قطعا، لاستحالة الكون والفساد عليه.
وأما الثاني فقد قال بعض النصارى: إنه اتحد بالمسيح فإنهم، قالوا:
اتحدت لاهوتية الباري مع ناسوتية عيسى (عليه السلام)، وقالت النصيرية: أنه اتحد بعلي (عليه السلام) وقال المتصوفة (1): إنه اتحد بالعارفين.
مخ ۵۳