بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف الحمد لله الذي دل على وجوب وجوده افتقار الممكنات (1)، وعلى قدرته وعلمه إحكام المصنوعات (2)، المتعالي عن مشابهة الجسمانيات (3)، المنزه بجلال قدسه عن مناسبة الناقصات، نحمده حمدا يملأ أقطار الأرض والسماوات، ونشكره شكرا على نعمة المتظاهرات المتواترات، ونستعينه على دفع البأساء، وكشف الضراء (4) في جميع الحالات.
مخ ۱۱
والصلاة على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) صاحب الآيات والبينات، المكمل بطريقته وشريعته سائر الكمالات، وعلى آله الهادين من الشبه والضلالات، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من الزلات (١)، صلاة تتعاقب عليهم، كتعاقب الآنات (٢).
أما بعد، فإن الله تعالى لم يخلق العالم عبثا فيكون من اللاعبين (٣) بل لغاية وحكمة متحققة للناظرين، وقد نص على تلك الغاية بالتعيين فقال:
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/51/56" target="_blank" title="الذاريات 56">﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾</a> (4) فوجب على كل من هو في زمرة العاقلين، إجابة رب العالمين، ولما كان ذلك متعذرا بدون معرفته باليقين، وجب على كل عارف مكلف تنبيه الغافلين، وإرشاد الضالين، بتقرير مقدمات ذوات أفهام وتبيين.
فمن تلك المقدمات المقدمة الموسومة بالباب الحادي عشر من تصانيف شيخنا، وإمامنا، العالم، الأعلم، الأفضل، الأكمل، سلطان أرباب التحقيق، أستاذ أولي التنقيح والتدقيق، مقرر المباحث العقلية، مهذب الدلائل الشرعية آية الله في العالمين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، جمال الملة والدين: أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، قدس الله روحه، ونور ضريحه.
مخ ۱۲
فإنها مع وجازة لفظها، كثيرة العلم، ومع اختصار تقريرها كبيرة الغنم، وكان قد سلف مني في سالف الزمان، أن أكتب شيئا يعين على حلها بتقرير الدلائل والبرهان، إجابة لالتماس بعض الأخوان، ثم عاقتني عن إتمامه عوائق الحدثان ومصادمات الدهر الخوان إذا (*) كان صادا (1) للمرء عن بلوغ إرادته، وحائلا بينه وبين طلبته ثم اتفق الاجتماع والمذاكرة في بعض الأسفار، مع تراكم (2) الأشغال وتشويش الأفكار، فالتمس مني بعض السادات الأجلاء، أن أعيد النظر والتذكر لما كنت قد كتبت أولا، والمراجعة إلى ما كنت قد جمعت، فأجبت ملتمسه، إذ قد أوجب الله تعالى علي إجابته.
هذا مع قلة البضاعة، وكثرة الشواغل المنافية للاستطاعة، وها أنا أشرع في ذلك مستمدا من الله تعالى المعونة عليه، ومتقربا به إليه وسميته (النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر) وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب (3).
مخ ۱۳
المقدمة في بيان وجوب معرفة أصول الدين، وفيها أمور:
الأمر الأول في بيان وجه تسمية هذا الكتاب ومعاني الوجوب والأصول والدين (*).
قال: قدس الله روحه (1)، (الباب الحادي عشر، فيما يجب على عامة المكلفين من معرفة أصول الدين) (2).
أقول: إنما سمي هذا الباب: الحادي عشر لأن المصنف اختصر (مصباح المتهجد) الذي وضعه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله في العبادات والأدعية، ورتب ذلك المختصر على عشرة أبواب، وسماه كتاب
مخ ۱۵
(منهاج الصلاح في مختصر المصباح).
ولما كان ذلك الكتاب في فن العمل، والعبادات، والدعاء، استدعى ذلك إلى معرفة المعبود والمدعو، فأضاف إليه هذا الباب.
قوله: (فيما يجب على عامة المكلفين):
الوجوب: في اللغة: الثبوت والسقوط، ومنه قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/22/36" target="_blank" title="الحج 36">﴿فإذا وجبت جنوبها﴾</a> (1)، واصطلاحا الواجب: هو ما يذم تاركه على بعض الوجوه (2)، وهو على قسمين:
واجب عينا: وهو ما لا يسقط عن البعض بقيام البعض الآخر به، وواجب كفاية: وهو بخلافه. (3) والمعرفة من القسم الأول (4): فلذلك قال يجب على عامة المكلفين.
والمكلف: هو الإنسان الحي، البالغ العاقل، فالميت، والصبي، والمجنون ليس بمكلفين.
والأصول: جمع الأصل: وهو ما يبتنى عليه غيره.
والدين: لغة: الجزاء، ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله): (كما
مخ ۱۶
تدين تدان (1).
واصطلاحا: وهو الطريقة، والشريعة وهو المراد هنا، وسمي هذا الفن أصول الدين لأن سائر العلوم الدينية من الحديث، والفقه، والتفسير مبتنية عليه فإنها متوقفة على صدق الرسول، وصدق الرسول متوقف على ثبوت المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه.
وعلم الأصول، وهو ما يبحث فيه عن وحدانية الله تعالى، وصفاته وعدله ونبوة الأنبياء، والإقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وإمامة الأئمة (عليهم السلام)، والمعاد.
قال: (أجمع العلماء (2) كافة على وجوب معرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتية (3) والسلبية (4) وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة والمعاد).
أقول: اتفق أهل الحل والعقد من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) على وجوب هذه المعارف وإجماعهم حجة اتفاقا، أما عندنا فلدخول المعصوم (عليه السلام) فيهم (5)، وأما عند الغير فلقوله: (صلى الله عليه وآله): (لا
مخ ۱۷
تجتمع أمتي على خطأ).
والدليل على وجوب المعرفة سندا للإجماع على وجهين:
عقلي، وسمعي أما الدليل العقلي (*)، فلوجهين:
الأول: أنها دافعة للخوف الحاصل للإنسان من الاختلاف، ودفع الخوف واجب، لأنه ألم، نفساني يمكن دفعه (*)، فيحكم العقل بوجوب دفعه، فيجب دفعه.
الثاني: أن شكر المنعم واجب، ولا يتم إلا بالمعرفة.
إما أنه واجب، فلإستحقاق الذم عند العقلاء بتركه.
وأما أنه لا يتم إلا بالمعرفة فلأن الشكر إنما يكون بما يناسب حال المشكور، فهو مسبوق بمعرفته وإلا لم يكن شكرا، والباري تعالى منعم، فيجب شكره، فيجب معرفته.
ولما كان التكليف واجبا في الحكمة كما سيأتي، وجب معرفة مبلغه وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وحافظه وهو الإمام (عليه السلام)، ومعرفة المعاد لاستلزام التكليف وجوب الجزاء.
وأما الدليل السمعي فلوجهين:
مخ ۱۸
الأول: قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/47/19" target="_blank" title="محمد 19">﴿فاعلم أنه لا إله إلا لله﴾</a> (١)، والأمر للوجوب.
والثاني: لما نزل قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/3/190" target="_blank" title="آل عمران 190">﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب﴾</a> (2)، قال النبي (صلى الله عليه وآله): (ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها) (3).
رتب الذم على تقدير عدم تدبرها أي عدم الاستدلال بما تضمنته الآية عن ذكر الأجرام السماوية والأرضية بما فيها من آثار الصنع والقدرة والعلم بذلك الدالة على وجود صانعها، وقدرته وعلمه، فيكون النظر والاستدلال واجبا وهو المطلوب (1).
قال: (بالدليل لا بالتقليد).
أقول: الدليل لغة هو المرشد والدال، واصطلاحا هو ما يلزم من العلم
مخ ۱۹
به العلم بشئ آخر.
ولما وجبت المعرفة وجبت أن تكون بالنظر والاستدلال، لأنها ليست ضرورية، لأن المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلا، بل يحصل العلم بأدنى سبب من توجه العقل إليه ، والاحساس به، كالحكم بأن الواحد نصف الاثنين، وأن النار حارة، والشمس مضيئة، وأن لنا خوفا وغضبا وقوة وضعفا غير ذلك.
والمعرفة ليس كذلك لوقوع الاختلاف فيها، ولعدم حصولها بمجرد توجه العقل إليها، ولعدم كونها حسية، فتعين الأول لانحصار العلم في الضروري والنظري فيكون النظر والاستدلال واجبا، لأن ما لا يتم الواجب المطلق (1) إلا به، وكان مقدورا عليه فهو واجب، لأنه إذا لم يجب ما يتوقف عليه الواجب المطلق، فإما أن يبقى الواجب على وجوبه أولا.
فمن الأول: يلزم تكليف ما لا يطاق، وهو محال كما سيأتي.
ومن الثاني: يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا وهو محال أيضا.
والنظر: هو ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى أمر آخر.
وبيان ذلك: هو أن النفس يتصور المطلوب أولا، ثم يحصل المقدمات الصالحة للاستدلال عليه، ثم يرتبها ترتيبا يؤدي إلى العلم به.
ولا يجوز معرفة الله تعالى بالتقليد.
مخ ۲۰
والتقليد: هو قبول قول الغير من غير دليل (١)، وإنما قلنا ذلك لوجهين:
الأول: إنه إذا تساوى الناس في العلم، واختلفوا في المعتقدات فأما أن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه فيلزم إجماع المتنافيات، أو البعض دون بعض، فأما أن يكون لمرجح أولا، فأن كان الأول فالمرجح هو الدليل، وإن كان الثاني فيلزم الترجيح بلا مرجح وهو محال.
الثاني: إنه تعالى ذم التقليد بقوله: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/43/23" target="_blank" title="الزخرف 23">﴿قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون﴾</a> (٢).
وحث على النظر والاستدلال بقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/46/4" target="_blank" title="الأحقاف 4">﴿ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين﴾</a> (3).
قال: (فلا بد من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين، واستحق العقاب الدائم).
مخ ۲۱
أقول: لما وجبت المعارف المذكورة بالدليل السابق اقتضى ذلك وجوبها على كل مسلم، أي مقر بالشهادتين، ليصير بالمعرفة مؤمنا لقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/49/14" target="_blank" title="الحجرات 14">﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا﴾</a> (1)، نفى عنهم الإيمان مع كونهم مقرين بالإلهية والرسالة لعدم كون ذلك بالنظر والاستدلال، وحيث أن الثواب مشروط بالإيمان (2) كان الجاهل بهذه المعارف مستحقا للعقاب الدائم، لأن كل من لا يستحق الثواب أصلا مع اتصافه بشرائط التكليف، فهو مستحق للعقاب بالاجماع.
والربقة: بكسر الراء وسكون الباء حبل مستطيل فيه عرى تربط فيها البهم واستعاره المصنف هنا للحكم الجامع للمؤمنين، وهو واستحقاق الثواب الدائم والتعظيم.
قال: (وقد رتبت هذا الباب على فصول:
مخ ۲۲
الفصل الأول في إثبات واجب الوجود لذاته تعالى.
فنقول: كل معقول إما أن يكون واجب الوجود في الخارج لذاته، وإما ممكن الوجود لذاته، وإما ممتنع الوجود لذاته).
أقول: المطلب الأقصى، والعمدة العليا في هذا الفن هو إثبات الصانع تعالى، فلذلك ابتدأ به، وقدم لبيانه مقدمة في تقسيم المعقول، لتوقف الدليل الآتي على بيانها.
وتقريرها: أن كل معقول وهو الصورة الحاصلة في العقل، إذا نسبنا إليه الوجود الخارجي، فأما أن يصح اتصافه به لذاته أو لا، فإن لم يصح اتصافه به لذاته فهو ممتنع الوجود لذاته كشريك الباري، فإن صح اتصافه به فأما أن يجب اتصافه به لذاته أو لا.
والأول: هو الواجب الوجود لذاته، وهو الله تعالى، لا غير.
والثاني: هو ممكن الوجود لذاته، وهو ما عدا الواجب من الموجودات.
وإنما قيدنا الواجب بكونه لذاته، احترازا من الواجب لغيره، كوجوب وجود المعلول عند حصول علته التامة، فإنه يجب وجوده، لكن لا لذاته،
مخ ۲۳
بل لوجود علته التامة (1).
وإنما قيدنا الممتنع أيضا بكونه لذاته، احترازا من الممتنع لغيره، كامتناع وجود المعلول عند عدم علته.
وهذان القسمان داخلان في قسم الممكن.
وأما الممكن، فلا يكون وجوده لغيره، فلا فائدة في قيده لذاته، إلا لبيان أنه لا يكون إلا كذلك، لا للاحتراز عن غيره (2).
ولنتم هذا البحث بذكر فائدتين، يتوقف عليهما المباحث الآتية.
(الأولى): في خواص الواجب لذاته، وهي خمسة.
الأولى: أنه لا يكون وجوده واجبا لذاته ولغيره معا، وإلا لكان وجوده مرتفعا عند ارتفاع وجود ذلك الغير، فلا يكون واجبا لذاته، هذا خلف.
الثانية: أنه لا يكون وجوده ووجوبه زائدين عليه وإلا لافتقر إليهما، فيكون ممكنا.
الثالثة: أنه لا يكون صادقا عليه التركيب لأن المركب مفتقر إلى أجزائه
مخ ۲۴
المغايرة له، فيكون ممكنا، والممكن لا يكون واجبا لذاته (1).
الرابعة: أنه لا يكون جزءا من غيره، وإلا لكان منفصلا عن ذلك الغير، فيكون ممكنا.
الخامسة: أنه لا يكون صادقا على اثنين، كما يأتي في دلائل التوحيد.
(الثانية): في خواص الممكن، وهي ثلاثة:
الأولى: أنه لا يكون أحد الطرفين أعني الوجود والعدم أولى به من الآخر، بل هما معا متساويان بالنسبة إليه: ككفتي الميزان فإن ترجح إحداهما فإنه إنما يكون السبب الخارجي عن ذاته، لأنه لو كان أحدهما أولى به من الآخر، فإما أن يمكن وقوع الآخر، أولا.
مخ ۲۵
فإن كان الأول لم يكن الأولوية كافية، وإن كان الثاني كان المفروض أولى به واجبا له، فيصبر الممكن أما واجبا، أو ممتنعا، وهو محال.
الثانية: أن الممكن محتاج إلى المؤثر، لأنه لما استوى الطرفان:
أعني الوجود، والعدم بالنسبة إلى ذاته استحال ترجيح أحدهما على الآخر إلا لمرجح، والعلم به بديهي (1).
الثالثة: أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر، وإنما قلنا ذلك لأن الامكان لازم لماهية الممكن ويستحيل رفعه عنه، وإلا لزم انقلابه من الامكان إلى الوجوب أو الامتناع.
وقد ثبت أن الاحتياج لازم للامكان، والامكان لازم لماهية الممكن ولازم اللازم لازم، فيكون الاحتياج لازما لماهية الممكن، وهو المطلوب.
قال: (ولا شك في أن هنا موجودا بالضرورة، فإن كان الموجود (2) واجبا لذاته فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد يوجده بالضرورة، فإن كان الموجد واجبا لذاته فالمطلوب (3)، وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد آخر فإن كان الأول دار، وهو باطل بالضرورة وإن كان ممكنا آخر تسلسل، وهو باطل أيضا.
مخ ۲۶
لأن جميع آحاد تلك السلسة الجامعة لجميع الممكنات تكون ممكنة بالضرورة فتشترك في امتناع الوجود لذاتها فلا بد لها من موجد خارج عنها بالضرورة فيكون واجبا بالضرورة، وهو المطلوب).
أقول: للعلماء كافة في إثبات الصانع طريقان:
الأول: هو الاستدلال بآثاره المحوجة إلى السبب على وجوده، كما أشار إليه في الكتاب العزيز بقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/41/53" target="_blank" title="فصلت 53">﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حث يتبين لهم أنه الحق﴾</a> (١)، وهو طريق إبراهيم الخليل (عليه السلام) فإنه استدل بالأفول الذي هو الغيبة المستلزمة للحركة المستلزمة للحدوث المستلزمة للصانع تعالى.
الثاني: هو أن ينظر في الوجود نفسه، ويقسم إلى الواجب والممكن حتى يشهد القسمة بوجود واجب صدر عنه جميع ما عداه من الممكنات وإليه الإشارة في التنزيل بقوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/41/53" target="_blank" title="فصلت 53">﴿أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد﴾</a> (2).
والمصنف ذكر في هذا الباب الطريقين معا، فأشار إلى الأولى عند إثبات كونه قادرا وسيأتي (3).
مخ ۲۷
وأما الثاني فهو المذكور هنا، وتقريره أن نقول: لو لم يكن الواجب تعالى موجودا، لزم إما الدور، أو التسلسل، واللازم بقسميه باطل ، فالملزوم وهو عدم الواجب مثله في البطلان، فيحتاج هنا إلى بيان أمرين.
أحدهما: بيان لزوم الدور والتسلسل.
وثانيهما: بيان بطلانهما.
أما بيان الأمر الأول: فهو إن هاهنا ماهيات متصفة بالوجود الخارجي بالضرورة، فإن كان الواجب موجودا معها فهو المطلوب وإن لم يكن موجودا يلزم اشتراكها بجملتها في الامكان، إذ لا واسطة بينهما، فلا بد لها من مؤثر حينئذ بالضرورة فمؤثرها إن كان واجبا فهو المطلوب، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر، (آخر يؤثره) فمؤثره إن كان ما فرضناه أولا لزم الدور، وإن كان ممكنا آخر غيره ننقل الكلام إليه، ونقول كما قلناه أولا، ويلزم التسلسل، فقد بان لزومهما (1).
وأما بيان الأمر الثاني: وهو بيان بطلانهما فنقول:
أما الدور: فهو عبارة عن توقف الشئ على ما يتوقف عليه كما يتوقف (أ) على (ب) و (ب) على (أ) وهو باطل بالضرورة إذ يلزم منه أن يكون الشئ الواحد موجودا ومعدوما معا، وهو محال.
مخ ۲۸
وذلك لأنه إذا توقف (أ) على (ب) كان (الألف) متوقفا على (ب) وعلى جميع ما يتوقف عليه، (ب)، ومن جملة ما يتوقف عليه (ب) هو (أ) نفسه فيلزم توقفه على نفسه، والموقوف عليه متقدم على الموقوف، فيلزم تقدمه على نفسه، والمتقدم من حيث إنه متقدم يكون موجودا قبل المتأخر فيكون: (الألف) حينئذ موجودا قبل نفسه فيكون موجودا ومعدوما معا، وهو محال.
وأما التسلسل: فهو ترتب علل ومعلومات بحيث يكون السابق علة في وجود لاحقه وهو هكذا أيضا باطل لأن جميع آحاد تلك السلسلة الجامعة لجميع الممكنات تكون ممكنة لاتصافها بالاحتياج فتشترك بجملتها في الامكان فتفتقر إلى مؤثر، فمؤثرها إما نفسها، أو جزؤها، أو الخارج عنها، والأقسام كلها باطلة قطعا.
أما الأول: فلاستحالة تأثير الشئ في نفسه، وإلا لزم تقدمه على نفسه، وهو باطل كما تقدم.
وأما الثاني: فلأنه لو كان المؤثر فيها جزؤها لزم أن يكون الشئ مؤثرا في نفسه، لأنه من جملتها، وفي علله أيضا، فيلزم تقدمه على نفسه وعلله، وهو أيضا باطل.
وأما الثالث: فلوجهين.
الوجه الأول: أنه يلزم أن يكون الخارج عنها واجبا، إذ الفرض اجتماع جملة الممكنات في تلك السلسلة، فلا يكون موجودا خارجا عنها إلا الواجب، إذ لا واسطة بين الواجب والممكن، فيلزم مطلوبنا.
الوجه الثاني: أنه لو كان المؤثر في كل واحد واحد من آحاد تلك السلسلة أمرا خارجا عنها، لزم اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد
مخ ۲۹
شخصي، وذلك باطل لأن الفرض أن كل واحد من آحاد تلك السلسلة مؤثر في لاحقه، وقد فرض تأثير الخارج في كل واحد منها، فيلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي، وهو محال، وإلا لزم استغناؤه عنهما حال احتياجه إليهما، فيجتمع النقيضان، وهو محال.
فبطل التسلسل المطلوب، وقد بان بطلان الدور، والتسلسل، فيلزم مطلوبنا، وهو وجود الواجب تعالى.
قال:
مخ ۳۰
الفصل الثاني في صفاته الثبوتية وهي ثمانية:
الأولى: إنه تعالى قادر مختار، لأن العالم محدث، لأنه جسم وكل جسم لا ينفك عن الحوادث، أعني الحركة والسكون، وهما حادثان، لاستدعائهما المسبوقية بالغير، وما لا ينفك عن الحوادث فهو محدث بالضرورة، فيكون المؤثر فيه، وهو الله تعالى قادرا مختارا لأنه لو كان موجبا لم يتخلف أثره عنه بالضرورة، فيلزم من ذلك إما قدم العالم، أو حدوث الله تعالى، وهما باطلان .
أقول: لما فرغ من إثبات الذات، شرع في إثبات الصفات، وقدم الصفات الثبوتية، لأنها وجودية، والسلبية عدمية، والوجود أشرف من العدم، والأشرف مقدم على غيره، وابتدأ بكونه قادرا لاستدعاء الصنع القدرة (1).
ولنذكر هنا مقدمة تشتمل على تصور مفردات هذا البحث.
مخ ۳۱