220

كل بشر وجني وملك ، وكل قادر من المحدثين ، وسلم أيضا أنه من فعله تعالى على غاية اقتراحهم ، ما المنكر من أن يكون أنزل هذا الكتاب على نبي من الأنبياء غير من ظهر من جهته تغلبه عليه وقتله الظاهر من جهته ، وادعى الإعجاز به؟

ولسنا نعرف للقوم جوابا سديدا عن هذا السؤال ؛ لأنهم إذا ذكروا الاستفساد وغيره مما حكيناه عنهم في جواب سؤال الجن ، فقد تكلمنا بما فيه كفاية ، وإذا قالوا : إن العلم الضروري حاصل بأنه لم يسمع من غيره ، أو قالوا : نعلم ضرورة أن المظهر له لم يأخذه من غيره قلنا : أما العلم بأنه لم يأخذ من أحد ظهر على يده وعرفت أخباره وانتشرت ، فثابت لا محالة ، وهو على خلاف ما تضمنه السؤال ؛ لأنه تضمن أنه أخذه ممن لم يظهر له حال ، ولا وقف له على خبر سواه ، وكذلك العلم بأنه لم يأخذه من غيره لا بد من أن يكون مشروطا بما ذكرناه ، وكيف يدعى إطلاقا أنه لم يأخذه من غيره ، وهو يذكر أن الملك نزل به عليه ، فيجب أن يقولوا : انه لم يؤخذ من أحد من البشر ، وإذا فرضنا أن المأخوذ منه ذلك من البشر لم يطلع على حاله سواه لحق البشر في هذا بالملك.

وقد ذكروا في هذا السؤال : أن تجويز ذلك يؤدي إلى تجويز مثله في سائر المعجزات ، قالوا : فإذا قيل لنا : إن باقي المعجزات يعلم حادثه في الحال على وجه يوجب الاختصاص ، قلنا : أليس المستدل قبل أن ينظر فيعلم حدوثها في الحال يجوز ما ذكرتموه ، وتجويزه ذلك منفر له عن النظر فيها.

فالجواب عن هذا الوجه الضعيف : أن تجويز المستدل الناظر في المعجزات أن تكون غير حادثة ولا مختصة ، لا يقتضي التنفير عن النظر فيها ، وكيف يكون ذلك ويحسن أن كل ناظر في علم من أعلام الأنبياء صلى الله عليه وآلهوسلم يجوز قبل نظره فيه أن يكون مخرقة وشعبذة ولم يقتض ذلك تنفيره عن النظر فيه ، بل واجب نظره لثبوت الخوف وتعدم الأمان من أن يكون المدعي صادقا.

فكذلك حكم الناظر في الأعلام مع تجويزه أن يكون غير حادثة ولا مختصة ، ولا يجب أن يكون منفرا عن النظر ؛ لأن الخوف الموجب للنظر ثابت مازال.

مخ ۳۳۸