172

كما قال تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) وإن كان هدى للكل ، فإن حمل ذلك على أن المتقين لما انتفعوا بهدايته ، ولم ينتفع بها الفاسقون جاز هذا القول (1)، وهذا كما قال تعالى : ( إنما أنت منذر من يخشاها ) (2) وقوله جل وعز ( إنما تنذر من اتبع الذكر ) (3) [ولي في قصيدة : ]

فقلت لهم إنما يعذل المشي

ب على الغي من يقبل

أي ينتفع بعذله من يقبل ، وجعلت من لم ينتفع بالعذل كانه غير معذول (4) وكان لنا أن نقول مثل ذلك في قوله : «إمام المتقين» ولا وجه يذكر في اختصاص لفظ الآية مع عموم معناها إلا وهو قائم في الخبر.

فأما دعاء الصالحين بأن يجعلهم الله للمتقين إماما ، فقد يجوز أن يحمل على أنهم دعوا بأن يكونوا أئمة يقتدى بهم الاقتداء الحقيقي الذي بيناه فهذا غير ممتنع ، ولو صرنا إلى ما يريده من أنهم دعوا بخلاف ذلك لكنا إنما صرنا إليه بدلالة ، وإن كانت حقيقة الإمامة تتضمن ما قدمناه من معنى الاقتداء المخصوص وليس العدول عن بعض الظواهر لدلالة تقتضي العدول عن كل ظاهر بغير دلالة (5).

( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) [البقرة : 8].

اعلم أن الإيمان هو التصديق بالقلب ، ولا اعتبار بما يجري على اللسان ممن كان عارفا بالله تعالى وبكل ما أوجب معرفته مقرا بذلك مصدقا فهو مؤمن.

والكفر نقيض ذلك ، وهو الجحود في القلب دون اللسان لما أوجب الله تعالى المعرفة به ، ولا بد بدليل شرعي من أن يستحق به العقاب الدائم الكبير على ما تقدم ذكره.

وإلى هذا المذهب ذهبت المرجئة ، وان كان فيهم من ذهب إلى أن الإيمان

مخ ۲۹۰