ولا يجوز أن يخرجه عن هذا الوجه مما فيه من الوجوه المستحسنة ، على أنه إذا كانوا إنما يلغون في كلامه ويعرضون عن بيانه عنادا عصبية ، فليس بنافع أن يقوم أمام كلامه هذه الحروف ، إذا أورد عليهم بعدها الكلام المتضمن للأمر والنهي والإخبار ، عدلوا عن استماعه ولغوا فيه وصار ما أورده من المقدمة عارا أو نقصا لا يجر نفعا ، ويجعلونه من أو كد الحجة عليه ؛ لأنهم كانوا يقولون له : أنت تزعم أن الكتاب الذي جئت به بلساننا ولغتنا ، وقد قدمت فيه ما لا نعرف تألفه ولا نتخاطب بمثله.
** وقد قيل أيضا
: ألا ذهب ، وكقوله تعالى : ( ألا إلى الله تصير الأمور ) (1) وكقوله «عز وجل» ( ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ) (2) وقوله تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ) (3) ف «ألا» زائدة بلا اشكال ؛ لأنها لو حذفت من الكلام لم يتغير فائدته ، وقد قال الشاعر :
ألا زعمت بسياسة القوم انني
كبرت وألا يشهد اللهو أمثالي
ونظائر ذلك كثيرة.
وهذا ليس بشيء لأن لفظة «ألا» معروفة في لغة العرب ، وإنما هي موضوعة في هذه المواضع للافتتاح ، ولا نعرف أحدا منهم افتتح كلاما بالحروف المقطعة على وجه من الوجوه.
فكأن هذا القائل يقول : إذا كانت لفظة «ألا» وهي كلمة مبنية مؤلفة على بناء سائر الكلام بما جعلوه للافتتاح ، فألا جاز أن يجعل الحروف المقطوعة التي ليست بهيئة موضوعة هذا الموضع ، ولا شبهة في فساد هذا الضرب من القياس في اللغة ، وأنه لا يعرف فيها وخروج عن حدها.
مخ ۲۸۶