وأما القسم الثاني : فهو محض الدعوى ، وبناء على المذهب الذي نخالف فيه ، فكأنهم قالوا : أن اللفظ موضوع في اللغة على الحقيقة للعموم ، وإنما يتجوز به في الخصوص ، وفي ذلك الخلاف ، وعليه يطالبون بالدلالة ، ولا فرق بينهم وبين من عكس هذا عليهم ، وقال لهم : بل هذه اللفظة موضوعة على الحقيقة للخصوص ، وإذا استعملت في العموم فبالقرينة والدلالة ، فقد ذهب قوم إلى ذلك ، وهم أصحاب الخصوص.
وقد مثل أصحابنا حالنا وحال مخالفينا في هذه النكتة بمن ادعى أن زيدا في الدار ، وادعى خصمه أن زيدا وعمروا فيها ، وقالوا : من ادعى أن عمروا مع زيد في الدار فقد وافق في أن زيدا في الدار ، وإنما ادعى أمرا زائدا على ما اتفق مع خصمه عليه ، فالدلالة لازمة له ، دون خصمه ، فإذا قال خصومنا : الصيغة لا تستعمل في الخصوص إلا مع قرينة ، فقد سلموا لنا الاستعمال ، وادعوا أمرا زائدا عليه ، فالدلالة تلزمهم دوننا.
وقد يمكن الطعن على هذا بأن نقول : أنتم تدعون استعمالا عاريا من قرينة ؛ لأنكم لو ادعيتم محض الاستعمال للزمكم أن يكون المجاز كله حقيقة ؛ لأنه مستعمل ، وإذا ادعيتم نفي القرينة لزمكم أن تدلونا ؛ فإنا لا نسلم ذلك ، كما يلزمنا أن ندل على إثبات القرينة إذا ادعيناها ، وتجرون في هذا الحكم مجرى من ادعى أن زيدا وحده في الدار ، وآخر يدعى أن معه عمروا ، في أن كل واحد يلزمه الدلالة ، واتفاقهما على أن زيدا في الدار ليس باتفاق على موضع الخلاف من التوحد أو الاقتران ، وهذا أجود شيء يمكن أن يسألونا عنه.
والجواب أن الأصل في الاستعمال التعري من القرائن والدلائل ؛ لأن الأصل هو الحقيقة التي لا تحتاج إلى قرينة ، وإنما يحتاج المجاز للعدول به عن الأصل إلى مصاحبة القرينة ، فلما ادعينا ما هو الأصل فلا دلالة علينا ، وادعى خصومنا أمرا زائدا على الأصل فعليهم الدلالة.
وأيضا فإننا نتمكن من الدلالة على صحة ما ادعيناه من غير بناء على موضع
مخ ۱۳۴