وكذا الدر ضائع الحسن في البح ... ر فإن بان عنه راق جمالا
ومياه البحار ملح فمهما ... حملتها السحاب عدن زلالا
فدخلت أمهات بلادها دور الخلافة، واستقريت آخرًا بقسطنطينيتها، لا زالت مصونة من كل آفة.
والدولة إذ ذا بالكلمة الغالبة تنطق، والدنيا تتوشح بتلك الحماية وتنتطق.
والأيام مقسطة، والأنام منبسطة.
والزمان كله نهار، والمنابت طرًا أزهار.
وملك الزمان السلطان محمد، ختم الله بتأمينه مذ صافحت آفاقها أسرة جبينه.
حدثت عن الحياة الخضرة جنباتها، واستحال زمردًا وزبرجدًا نباتها.
والأفئدة بطاعته تدين، وقد تهنى بمانه الدنيا والدين.
ورأيت أستاذي الشيخ محمد بن لطف الله الذي توجهت بكليتي إليه، وأوقفت أملي مذ أنا يافع عليه.
وهو مقصد الواصف والمادح، وملج لسان الناطق والصادح. وقد استوفى من الصدارة تمام العزة، وأوفى شرفه على كل الأعزة. وكان للأدب ممن تلافى ذماه، وروى ببشره ظماه. فأصبحت حسنات الدهر به موفورة، وسيآته بوجوده مغفورة. ونفضت لديه علائق الترحال، ورفرفت عليه آمال الرجال. من كل من اتخذ الأدب مفخرًا يرغم به أنوف المفاخرين، والثناء الجميل مدخرًا، وهو لسان صدق في الآخرين. فحاسيتهم بحضرته كؤوس مودة أصفى من الماء، وتلقيت منهم كل نادرة تفضح نجم السماء.
ثم لما قضى الله موت الأستاذ برد الله حفرته، ونور بنور الغفران غرته. قضاء منه سبق في بريته، وسوى فيله بين آدم وذريته. رأيت الدهر قد عاندني في الديار والأحباب وكساني المشيب قبل أن أعرف مقدار حق الشباب. وقد ولتني الثلاثون أذنابها، وصبت على المصائب ذنابها. وغاب هلال الصبا في مغاربه، وألقيت حبل الصبا على غاربه. بعد ما كان ذرعي عن هموم الأثر خاليًا، وحالي ببرد العيش حاليًا. فرميت الشام بعزمة المنتاب، وقد رضيت من الغنيمة بالإياب. فحليتها في عصر ذهب رواؤه، وفرغ من المعارف إناؤه. وعضد الأدب هيض، وثمده بعد هنيئة غيض. حتى تقلصت ذيول ظلاله، وبكت عيون المنى على أطلاله. والناس إما ساكت ألفًا، أو ناطق خلفًا. ولزمت كسر البيت، وسكنت سكون الميث. متكفكفًا بما في يدي، ومستدفعًا ليومي وغدي. وأنا في الدنيا الموصوفة بالنضارة، من جملة النظارة. أرمقها يمنة ويسرة، فلا أرى إلا همًا وحسرة. ولا أراني إلا كاسفً معنى، وكأنني لفظ بلا معنى. فرمان فرحي أقصر من التفات الحبيب، وتلفتي للسراء تلفت المريض للطبيب. في أوقات أثقل من الحديث المعاد، وأطول من عمر الانتظار لوقت الميعاد. لا سمير لي أوانه ولا جليس عندي أجانسه. سوى أوراق مزقتها الريح، وفرقت شملها التباريح. التقطتها كل واحدة من بقعة، وجمعتها من كل رق رقعة. أكثر ما فيها أشعار لأهل العصر، الذين ضاق عن الإحاطة بمفاخرهم نطاق الحصر. ممن رأيته فكانت رؤيته لعيني جلا، أو سمعت به فكانت أخباره لمسمعي حلي. وكان كتاب الريحانة للشهاب، الذي أغني عن الشمس والقمر، وأطلع الكلام ألذ من طيب المدام والسمر. وناهيك بمن استخدم الألفاظ حتى قيل: إنها له ملك، ونظمها في أجياد الطروس كأنها جواهر لها كل سطر من سطورها سلك.
لم يزل من عهد صبايَ، قبل نوم سيارة شمولي وصباي. أمنية رجائي الحائم، وبغية قلبي الهائم. وشمامتي التي أشتم ومسلاتي متى أهتم. وزمزمة لساني، وعقيلة استحساني.
حتى أود لو كانت أعضاي كلها نواظر تبصره، بحيث لا تمل لحظًا، وخواطر تتذكره، على ألا تسأم حفظًا، وألسنة تكرره، بشرط ألا تقنع لفظًا.
فخطر لي أن أقدح في تذييله زندي، وآتى في محاكاته بما اجتمع من تلك الأشعار عندي. وقصدي بذلك إشغال الفكر، لا الانضمم إلى من فاز بألى الذكر. وإلا، فمن أنا حتى يقال، أو إذا عثرت عثرة تقال. سما إذا قرنت بمن جاريته في ميدان الكلام، أو ضممت إلى من باريته وأنا لست له باري أقلام. وإني لو تطاولت إلى الفلك، وتناولت عن الملك. واتخذت الدراري عقودًا، وزهر المجرة لفظًا منقودًا. ما بلغت مكانه، ولا أمكنت من أمر البراعة إمكانه.
فأقدمت سائلًا من الله أن يجعله سهلًا، وأنا أستغفر لتطلعي لما لست له أهلا. وسدت أعيانًا بيضت بهم وجه الطروس، وأحييت لهم أبيات أشعار كادت تشارف الدروس. من كل لفظ أرق من نفحة الزهر الروض للناشق، وأحسن موقعًا من تبسم المعشوق في وجه العاشق.
1 / 2