وللقاضي العلامة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني «١» وقد أحسن كل الإحسان كأنما طرزت في خلع حسان:
(شعر):
ولم أقض حق العلم إن كنت كلما ... بدا طمع صيّرته لي سلّما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لآخذ من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذا فأتّباع الجهل قد كان أسلما
فإن قلت زند العلم كاب فإنّما ... كبا حين لم نحرس حماه وأظلما «٢»
لو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظّموه في النفوس لعظّما
ولكن أهانوه فهونوا ودنّسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهّما
وقيل: من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره، وقال الفضيل: شر العلماء من يجالس الأمراء، وخير الأمراء من يجالس العلماء «٣» .
وقال لقمان: جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بماء السماء.
قيل: من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار، وكان ابن مسعود ﵁ إذا رأى طالبي العلم قال: مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة، خلقان الثياب جدد القلوب، رياحين كل قبيلة.
وقال علي ﵁: كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ضعة أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه.
وعن النبي ﷺ ما آتى الله أحدا علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه أحدا. ودعا بعضهم لآخر فقال:
جعلك الله ممن يطلب العلم رعاية لا رواية، وممن يظهر حقيقة ما يعلمه بما يعمله.
وعن عمر ﵁، عن النبي ﷺ قال: على باب الجنة شجرة تحمل ثمارا كثدي النساء، يخرج من تحتها عين ماء يشرب منها العلماء والمتعلمون مثل اللبن الحليب، والناس عطاش.
وعن ابن مسعود ﵁، من تعلم بابا من العلم ليعلمه للناس ابتغاء وجه الله أعطاه الله أجر سبعين نبيا.
وعن أنس ﵁، عن رسول الله ﷺ، «ويل لأمتي من علماء السوء، يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم» .
شعر:
العلم أنفس شيء أنت داخره ... من يدرس العلم لم تدرس مفاخره «٤»
أقبل على العلم واستقبل مقاصده ... فأول العلم إقبال وآخره
قال الشعبي: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألني عن اسمي، فأخبرته، ثم قال: يا شعبي: كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عنّي يؤخذ، قال: كيف علمك بالفرائض؟ قلت: إليّ فيها المنتهى، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيصل فيها، قال: كيف علمك بالشعر؟ قلت: أنا ديوانه، قال: لله أبوك، وفرض لي أموالا، وسوّدني على قومي «٥»، فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همدان، وخرجت وأنا سيدهم.
قال البستي:
إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى ... وسيرته عدلا وأخلاقه حسنا
فبشّره أنّ الله أولاه فتنة ... تغشّيه حرمانا وتوسعه حزنا
وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالك بن أنس ﵁، سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري.
وقال الأوزاعي: شكت النواويس إلى الله تعالى ما تجد
1 / 28