حكي عن بعض أهل العلم قال: كان يجلس إلي شيخ، فأي شيء تكلمت فيه من العلوم بكى، حتى طال ذلك علي فقلت له يوما وقد خلونا: أراك ملازما مجلسي ثم لا تسأل عن شيء، ولا أزال أراك باكيا فما حالك؟ قال: نعم يا سيدي، كنت رجلا أشتري الغلمان وأبيعهم لأجل الفائدة، فوقع إلي دفعة غلام وضئ الوجه، كامل الخلقة، وكان صغيرا فابتعته بثلاثمائة دينار، وزينته وهيأته لمن يرغب في ابتياعه، فعبر بنا ذات يوم غلام شاب حسن الوجه، فلما رأى الغلام نزل عن دابته وقال: هذا الغلام للبيع؟ قلت: نعم ، فقلب الغلام واستعرضه، وقال له: ما اسمك وما جنسك وما الذي تحسن أن عمل، فأخبره ثم قال لي: بكم هو فقلت: بألف دينار، فغمز يد الغلام نغزة ثم انصرف، فنظرت في يد الغلام صرة، فاعتبرتها فإذا فيها مائة دينار، فقلت له: أتعرف الرجل؟ فقال: لا، فلما كان من الغد جاء ففعل كفعله بالأمس، فلما كان في اليوم الثالث جاء ففعل كفعله في اليومين المتقدمين، فقلت في نفسي: ما وهب هذا لهذا ثلاثمائة دينار إلا وهو يهواه، وليس يقدر على ما ذكرته له من الثمن. فتبعته حتى عرفت مكانه، فلما كان العشاء أمرت الغلام بلبس أفخر ثيابه وطيبته وزينته، وقلت له: إن هذا الرجل قد صار إلينا منه مثل ثمنك، وقد عزمت على حملك إليه فكن له طوعا، وأعلمني بما يجري به معه، وصرت به إلى منزل الرجل بعد صلاة العشاء الآخرة، فنقرت الباب نقرات، فخرج وفتح الباب، فلما رآنا بهت ثم استرجع وقال: ما الذي جاء بكما؟ فقلت: إن هذا الغلام قد قلبته على بعض ملوك البغداديين الساعة ولم ينفصل له أمر معه، وأخاف عليه الطائف فببته لي عندك إلى الغداة، فقال: أدخل فبت معه إلى بكرة فقلت: لا أتمكن من ذلك فدعه عندك، وإياك أن يخرج من بيتك وحكمك إلى أن آتيك باكرا، وانصرفت وأوبت إلى فراشي، مفكرا في أمره، وإذا الغلام قد أتى مذعورا يبكي فقلت له: ما وراءك؟ قال لي: مات الرجل الساعة، فقلت: ويحك وكيف كان ذلك؟ قال: دخلت معه فاحضر لي طعاما فأكلت وغسلت يدي وطيبني ثم جاء فوضع إصبعه السبابة على خدي ثم قال: أشهد أنك لحسن، وما تدعوني إليه نفسي منك لقبيح، وما أوعد الله عليه من العقوبة أقبح وأشد، ثم استرجع، ثم وضع إصبعه على خدي أيضا ثم قال: أشهد أنك لحسن، وما وعد الله عليها من الخير والثواب أحسن وأحسن، ثم سقط فحركته فإذا هو قد مات. قال الشيخ: فأنا أبكي على ذلك الشاب وظرفه وحسنه وعفته إلى أن أموت.
حكاية
</span></span>
قال أبو الفرج الأصبهاني: أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدايني عن أبي بكر الهذلي قال: لما أطلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة من حبسه قال له: يا أمير المؤمنين أكتب لي كتابا إلى علقمة بن علاثة أقصده به، فقد منعني التكسب بشعري، فقال: لا أفعل، فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما عليك من ذلك، علقمة ليس بعاملك فتخشى أن تأثم فيه، وإنما هو رجل من المسلمين تشفع له إليه. فكتب له بما أراد، فمضى الحطيئة بالكتاب فصادف علقمة قد مات، والناس ينصرفون عن قبره، فوقف عليه ثم أنشد:
لعمري لنعم المرء من آل جعفر ... بحوران أمسى علقته الحبائل
فإن تحيي لا أملل وإن تمت ... فما في حياة بعد موتك طائل
وما كان بيني، لو لقيتك سالما، ... وبين الغنى إلا ليال قلائل
فقال له ابنه: كم ظننت أن علقمة يعطيك؟ قال: مائة ناقة فقال: لك مائة ناقة تتبعها مائة من أولادها، فأعطاه إياها.
حكاية
مخ ۱۸