ثم جاء دور الشيخ موسى فكان شاعرا اجتماعيا أكثر منه متألما لهذه القضية البسيطة ومن هنا يمكننا أن نقول بأن رفاقه الأفاضل لم بكن تحليلهم لنفسيته إزاء هذه القضية أصاب الواقع من جميع جهاته ولكنك عرفت أيها القارئ الكريم أنها مداعبات فلا يخطر هذا الاعتراض وإليك أبيات الشيخ المذكور:
يا سارقي لو كان عقلك راجح * وفهمت ما معنى الحياة الحقة لسرقت روح المفسدين وطهرت * كفاك من رجس المنافق (بلدتي) (1) إن الحياة لفي صلاح نفوسنا * لا في تحقق شهوة وملذة أحسبت أن المال يرفع سافلا * فجعلت تسرق لاجتماع الثروة لا ترفع الإنسان كثرة ماله * ما دام يعوزه دماغ الرفعة لم يؤذني نهب الثياب وإنما * لوجود مثلك في البلاد أذيتي هلكت بلاد في يدي أبنائها * فاس يهدهم في بناء الأمة والناس إن عدموا الصلاح بأرضهم * منعت سماؤهم غيوث الرحمة وإذ الفضيلة عطلت في أمة * جرفت معاليها سيول الخسة واستبدلت بالعز ثوب مذلة * كالماء حول بالركود لجيفة ما كنت تفسد لو تهذب في يدي * أهليك بل تختار أفضل خطة فالذنب ذنبهم إذا ما سببت * أيديك للإنسان أي مضرة ولدوك للأوطان عضوا نافعا * ولجهلهم بدلوك في جرثومة آه على الأوطان من أبنائها * قد قاربوا إنزالها في الحفرة عقوا أمومتها وما رقوا لها * مهما استغاثت فالقلوب بقسوة إخواني الفضلاء في أخلاقكم * أجلو الهموم واستعيد مسرتي ومن انتقى أمثالكم خلانه * لم لا تزول كروبه في سرعة أبناء دهري تقد فحصت ذواتهم * واخترت منهم الجواهر حصتي ما قيمة الأموال في نظري إذا * جمع الصفاء قلوبنا في وحدة أرواحنا كأس المحبة خمرها * ونفوسنا سكرى بكل فضيلة هذه الأبيات وما قبلها كانت نتيجة تلك الجلسة وإذا كان بعد الأدباء قال للأستاذ الشيخ علي الشرقي يوم وقوفه على قصيدته (شمعة العرس) " وددت أن تأخذ كل يوم فتاة وتدخل عليها فتراها ميتة لتعطينا مثل هذه القصيدة الرائعة " فنحن أيضا نقول لهؤلاء الإخوان الأفاضل نود أن تسرق لكم كل يوم جبة لتجودوا بمثل هذه الأبيات الجميلة.
بهاء الدين وكان آخر ما نظمه هذه الأبيات التي أرسلها من النجف إلى ولده أحمد في حلب:
جاز الزمان على في شيخوخة * مقرونة بالفقر والحرمان وبعزلة في البيت لا أحد أرى * لا من بنى إنس ولا من جان أصبحت مقطوعا بلا أهل ولا * قوم ولا خل ولا إخوان إلا حمامات وبعض بلابل * تشدو على الأفنان والأغصان فتثير في نفسي شؤونا جمة * وتزيد من همي ومن أحزاني لله أشكر ما لقيت من الضنا * ومن الأذى والجور والهجران مستمسكا بولاء أصحاب العبا * سفن النجاة ومستجار العاني أرجو النجاة بحبهم وولائهم * يوم القيامة من لظى النيران الدكتور جواد علوش بن أحمد ولد في مدينة الحلة (العراق) سنة 1927 م وتوفي سنة 1976 تخرج من جامعة القاهرة بشهادتي (الليسانس) و (الدكتوراه) في الأدب العربي. وعاد إلى العراق فتولى التدريس الجامعي في بغداد.
له من المؤلفات: شعر صفي الدين الحلي، ومهرجان الرصافي، وموشحات السيد محمد سعيد الحبوبي، وراجح الحلي.
كما ترك ديوانا شعريا.
وعندما أصدر كتابه عن صفي الدين الحلي بعث إلي بنسخة منه فكتبت إليه معلقا على بعض ما ورد فيه، فلم تصل إليه رسالتي. وقد كتب لي بعد ذلك رسالة أنشرها فيما يلي تخليدا لذكريات ذلك الزمن:
تحية عربية إسلامية خالصة أبعث بها إليك مؤرجة بأريج الزهور مفعمة بانداء الفرات التي ملأت رئتيك يوم نعمت بأفيائه وأعجبت بأبنائه سائلا المولى العلي القدير أن يمتعك بالصحة والسعادة والهناء.
ما كنت، يوم قدمت لك، كتابي المتواضع (صفي الدين) أفكر في أنك ستكتب لي رسالة. لأنني لم أحس بأنني قمت بعمل يستحق كتابة رسالة، إذ أنني قمت بواجب أدبي نحو أستاذ تربطني به روابط روحية وإن لم أراه بعيني.. اعترافا بفضله على الأدب وبفضل أبيه العظيم على الكتب والمؤلفين.. ولكن.. لقد أخبرني أحد الإخوان في كليتنا وهو السيد محسن غياض بأنك أرسلت لي رسالة تستحق الإجابة، ولما كنت لم أتلق أية رسالة في هذا الصدد فقد تملكني العجب واستولت علي الحيرة.. ثم أنه ما اكتفى بذلك، بل جاءني تبعد أيام وأطلعني على رسالتكم إليه فقرأت الأسطر التي تخصني والتي تشيرون فيها إلى هذا.. فقررت أن أكتب لكم رسالة أخبركم بذلك.. وأعتذر عن تقصير وقع دون علم مني وليس لي إرادة فيه فأرجو عذركم وعفوكم وأنا على استعداد للإجابة عما تريدون...
وختاما أرجو لكمن حياة حافلة بالتأليف وخدمة الأدب والفكر والعالم واسلموا.
بغداد / 15 / 5 / 46 للمخلص كلية التربية جواد أحمد علوش جون مولى أبي ذر الغفاري مرت ترجمته في المجلد الرابع الصفحة 297 ونزيد عليها هنا ما يأتي:
كرم محمد بن عبد الله ص الإنسانية كلها فألغى الاضطهاد العنصري إلغاء عمليا حين اختار لأقدس مهمة زنجيا أسود اللون، وجعل منه مؤذنه الذي ينادي المؤمنين للصلوات في أوقاتها الخمس.
هذا الأسود هو بلال الحبشي الذي كان عبد من عبيد قريش فلم تكد تبلغه الدعوة الاسلامية حتى كان أول الملبين لها، وتعلم به قريش، ويعلم به سيده أمية بن خلف فينصحونه بالعدول عن الطريق الذي مشى فيه فلا يقبل النصيحة ويستمر مسلما مخلصا فيأخذون في تعذيبه العذاب الأليم، ولكنه لا يزداد إلا إيمانا، ثم يفر بنفسه إلى المدينة مع من هاجر إليها، وهناك صار مؤذن الرسول. ولقد كانت في صوته لكنه فلا يستطيع أن يلفظ الشين لفظا صحيحا، بل تخرج من فمه وكأنها سين، فيقول الرسول ص إن سينه عند الله شين...
وعلى صوت بلال الحبشي كان يهرع شيوخ المسلمين وشبانهم إلى المسجد ملبين نداء الله يبعثه هذا الإنسان الأسود اللون. ولم يكن تكريم لعنصر بلال أعظم من هذا التكريم الذي خصه به رسول الله، ولذلك فإنه لما مات النبي انقطع إلى أهل البيت مخلصا لهم، وفيا لذكرى أبيهم الرسول.
مخ ۲۸