بسم الله الرحمن الرحيم يقول حسن الأمين بن السيد محسن الأمين: كان من طريقة والدي في كتابه (أعيان الشيعة) ان لا يترجم للأحياء، وبعد وفاته سنة 1371 توفي الكثيرون من الأعيان الذين يجب ان يترجموا، وكنت بعد وفاته قد تتبعت أسماء بعض من توفوا بعده وأعددت لهم تراجم نشرت في الطبعة الأخيرة وأشرت فيها إلى انهم مما استدركتهم على الكتاب، وقد سقطت هذه الإشارة أثناء الطبع عن بعض الأسماء كأسماء الشيخ خليل مغنية والسيد محمد باقر الصدر والسيد هبة الدين الشهرستاني وغيرهم، ويستطيع القارئ ان يدرك ذلك من ملاحظته تاريخ الوفاة، فجميع من يكون تاريخ وفاتهم بعد تاريخ وفاة المؤلف هم بالطبع ممن استدركت تراجمهم على الكتاب.
ولم أستطع تتبع أسماء جميع من يستحقون الترجمة، لذلك فاتتني أسماء كثيرة وبعد انتشار الطبعة الجديدة دونت تراجم من فاتني تدوين تراجمهم في تلك الطبعة، ثم انني أثناء مطالعاتي وجدت معلومات تتعلق بمن كانت قد نشرت تراجمهم من قبل وآثرت تدوينها كما وجدت ان بعض التراجم قد فاتت المؤلف، فاجتمع من ذلك كله مقدار كبير مهم يجب ان يضاف إلى الأصل فرأيت اخراجه في مجلد مستقل باسم (مستدركات أعيان الشيعة) وهو ما يراه القارئ في هذا المجلد.
وإذا بقيت في الحياة بقية سأظل أتابع وأدون ما استمرت الحياة ومن الله نسأل التوفيق والتسديد.
حسن الأمين آتش، حيدر علي فيض ابادي ولد سنة 1192 وتوفي في لكنو سنة 1263 شاعر هندي اشتهر بلقبه آتش لذلك ترجمناه في حرف الألف.
شاعر جرئ، في شعره نفاسة في الخيال وقوة في الغرام، وهو ذو منهج خاص في النسيب.
آصف الدولة قامت في الهند ثلاث دول شيعية، هي: العادل شاهية، والقطب شاهية، والنظام شاهية، وهذه كانت في الدكن جنوب الهند.
ثم قامت بعد ذلك دولة رابعة هي دولة (أود) في شرق الهند، ولم تكتف هذه الدولة بتبني التشيع ونشر لوائه، بل كانت باعثا قويا على بث المعارف والثقافة الاسلامية وأرقاء الأدب الأردوي. وكانت أول عاصمة لها مدينة فيض آباد، وهناك كان النواب شجاع الدولة المتوفى سنة 1188 حيث التقى فيها من سائر صنوف الناس أعلاها ومن جميع الطبقات أشرفها، وحيث ضمت إليها من كبار الأدباء أمثال سودا ومير وغيرهما.
ثم قام مقامه ولده النواب ميرزا يحيى آصف الدولة فنقل عاصمة الدولة من فيض آباد إلى لكنو. وكان آصف الدولة جوادا كريما شاعرا. وهو صاحب فكرة إيصال الماء من الفرات إلى النجف الأشرف، وبذل في هذا السبيل أموالا طائلة حتى وصل الماء إلى أقرب مكان يمكن إيصاله إليه، ولم يمكن إيصاله إلى النجف نفسها لعلوها.
وفي عهد آصف الدولة زخرت لكنو بالعلماء والشعراء والكتاب والمفكرين، وامتلأت بالمدارس والمكتبات لا سيما التي تضم أمهات الكتب الشيعية، وبرز فيها أول مجتهد هندي شيعي هو السيد دلدار علي، ولمع فيها أكابر شعراء اللغة الآردوية أمثال سوز أستاذ النواب نفسه، وكذلك مير تقي مير وسودا من شعراء البلاط، ومصحفي ومير حسين ومير شير علي أفسوس وغيرهم من شعراء العاصمة لكنو.
وتتابع بعده الملوك واحدا بعد الآخر سالكين السبيل نفسه حتى آخرهم واجد علي شاه.
وقد كان آصف الدولة وواجد علي شاه من الشعراء المجيدين. وحتى اليوم لا يزال الأدباء يسندون أصولهم إلى عهود لكنو، لأن شعراء لكنو وفي طليعتهم ناسك ورشك هم الذين هذبوا اللغة الآردوية ونقوها من اللفظ السوقي ومن الأغلاط والكلمات الركيكة ومن رواسب السانسكريتية وشذبوا قواعدها وسووا منهجها، أو بالأحرى اخرجوا منها لغة مستقلة كاملة تضم فيما تضم أصح الكلمات العربية والفارسية.
وهكذا ترسخت اللغة الأردوية في لكنو.، بالذات وأصبحت لغة الدولة ولغة الثقافة، يعبر بها العلماء والمثقفون في أحاديثهم ومكتوباتهم، فاكتسبت دقة الأسلوب ورشاقة اللفظ وعذوبة النسج ولطافة المغزى في الأمثال والاستعارة، وكان رقيها رقيا نهائيا. (راجع ترجمة السيد مير علي الكبير في الصفحة 349 من المجلد الثامن ففيها ذكر للمترجم).
إبراهيم شرارة بن محمد عبد الله ولد سنة 1341 في بنت جبيل (جبل عامل) وتوفي سنة 1403 في بيروت
مخ ۵
ودفن في بنت جبيل.
كانت دراسته الابتدائية في بنت جبيل واستفاد في اللغة العربية وقواعدها من صحبة الشيخ علي شرارة. هاجر في مطلع شبابه إلى إفريقيا الغربية ولم تطل إقامته فيها فعاد إلى بلده وتعاطى بعض الأعمال التجارية. ثم استقر نهائيا في بيروت حتى وفاته.
هو من شعراء جبل عامل الذين وأكبوا نهضته فكانوا لسانه في وطنيتهم و أدبهم. ومما وصف به بعد وفاته: إبراهيم شرارة كما تعرفه منتدبات جبل عامل ومجالسه الأدبية ومهرجاناته واحتفالاته ومناسباته الأدبية والثقافية، من رعيل الأدباء العامليين الذين كانوا يؤثرون ان يخاطبوا بنتاجهم الشعري والأدبي جمهورا محليا، يعرفون نوابضه ويتواصلون معه على منابر متعددة قد يكون النشر أقلها رواجا. وبغياب إبراهيم شرارة يغيب اسم في آخر سلسلة من الأسماء قد تكون مع اسلافها الأوائل في قلب تاريخ مطوي للثقافة العاملية، يغدو أكثر فأكثر مستورا، لكن على يد إبراهيم وآخرين تم نقل الأدب العاملي من سلفية مغرقة إلى نفحة معاصرة كانت تهب من حواضر الأدب يومذاك في مصر ولبنان والمهجر. ولعل صدى الرومانطيقية في لبنان ومصر تسلل إلى أدباء جبل عامل الشبان آنذاك ليؤثر في كلامهم ونتاجهم وتؤثر الرقة الوافدة في اللغة العريقة الموروثة من شيوخ تشربوا الشعر من منابعه الأولى، وسلكوه من أعرق مسالكه وأوغلها في الزمن وأشركوا فيه مشاغل أخرى تشمل المكتبة العربية القديمة بشتى فروعها. والأغلب ان شعر إبراهيم ينضم إلى تراث واسع لم يكتب له ان ينتظم في التراث اللبناني بكليته، فقد كان هذا الأدب يتداول بين عائلات ثقافية ومنتديات أبرزها المنتدى الحسيني وأماسي سمر ومجالس أدب، وكان مكتفيا بتداوله هذا متآلفا معه. (1) وقال كاتب آخر متحدثا عن مجموعته الوحيدة التي طبع فيها شئ من شعره و سماها (في قرانا): اننا مع نصوص شاعر بقي في دائرة الريف العاملي حيث عاش وعايشة معظم أوقات حياته. ان الشاعر حين يستنطق الريف يدخل معه في خطاب رومانسي، وينتقل به من العين إلى الوجدان، من الوصف إلى العلن (2).
وقال كاتب آخر متحدثا عن المجموعة نفسها: في المضمون تتناول قصائده المكان القرية بفلاحيها وشجرها وحيواناتها وتبدلات الفصول مع نظم هذه العناصر في اطار الاصرار على الحياة، كما تتناول قصائده انطباعات جمالية صادرة عن اطار ثقافي راهن، وعن اطار ثقافي عريق، وفي الشكل تبدو قصائد إبراهيم شرارة ناتجة عن تراث بيئته اللغوي العريق (جبل عامل) وتراث التحديث العربي في صورته اللبنانية، شعر ما بين الحربين العالميتين.
ومن الرافدين اللغويين اتت قصائده أصيلة رقيقة في آن ونقلت أفق الشعر إلى الراهن بعد أن كان شعر جبل عامل محافظا واستمراريا (3).
وقال كاتب آخر متحدثا عنه بعد وفاته متطرقا إلى الشعر العاملي بعامة:
ان جبل عامل هو حكاية شعرائه، تماما كما أن شعراءه أيضا هم حكاية جبل عامل. ولذا فإننا حينما نتحدث عن الأدب العاملي كمدخل لفهم أحد شعرائه، فإنه من غير الجائز اعتبار ذلك تطلعا منا للفصل بين الكلمة في تلك المنطقة وأختها في اي مكان من الوطن أو العالم، ولا يجوز وصف ذلك بالانغلاق الثقافي والسياسي، لأن ما نبتغيه هنا هو تشريح جدلية العلاقة لأرض حوت في جوفها ايحاءات ومصادر تاريخية شعرية لشعرائها، تماما كما رمل الخليج خبا النفط الأسود لأهله.
انها علاقة الظل بالضوء، والوجه بالمرأة، والنكهة بالثمرة.
بهذا المعنى العميق والمنفتح لطبيعة سفر العاملي في رحاب ذاته فإن الشاعر الراحل إبراهيم شرارة " طائر غرد داخل سربه " العاملي. لكن هذا لم يجعله بالضرورة واحدا في جوقة كنيسية تردد نفس الكلام وذات اللحن، لقد كان طائرا عامليا بحق، ولكن كان لصوته صدى مميز ولرفيف جناحيه اختلاجات لا تشبه اختلاجات قلبه.
ولعل مقدرة إبراهيم شرارة على انتزاع تمايزه الفني من دون ان يترتب على ذلك خروجه من المؤسسة العاملية الشعرية القديمة لعل هذا بحد ذاته هو واحد من أهم خصائص الشاعر ومميزاته.
فالمؤسسة الشعرية العاملية، وبشهادة النقاد والعاملين في تاريخ الأدب هي مؤسسة قديمة جدا، وأهم ما يميزها في هذا المجال هو واقع أن سنوات عمرها المديدة لم يصبغ نتاجها بالملل والتكرار، كما هي العادة غالبا حينما تكون المصادر الفنية لأجيال متلاحقة هي ذاتها أو قريبة التشابه.
وكثيرا ما طرح السؤال: لما ذا لا يكرر الشعراء العامليون أنفسهم طالما أن شروط التكرار واخطاره موجودة؟!
ان إبراهيم شرارة هنا هو واحد من الأجوبة التي توضح هذا الأمر للمتسائلين.
فإبراهيم شرارة ظل عاملي القلب، وحسيني الدمعة والدم، ولم ير في غير التبغ عبقا يجسد رائحة الانسان، ولم يخرج في شعره عن جذوره (4) ومع ذلك كتب كلاما جديدا وقوافي جديدة، رغم أنها لا يمكن الا وضعها في ملف " الشعر العاملي الحسيني "، اتسم بالصدق وتلظى حرارة الاحساس عند التعبير والنظر إلى الأشياء. وأدب كالأدب العاملي سمته الصدق في أهم أعمدته، هو ملتزم في جوهره حتى قبل أن تأخذ هذه الكلمة تحديدها الاصطلاحي الفني. ولذا فإن أحد أهم الشعارات التي سارت تحتها مظاهرات الحداثة الالتزام...
الكلمة السيف، كانت أصلا في صلب الأدب العاملي الذي يغني قضيته التاريخية.
ويتجلى هذا الأمر في الأدب العاملي إلى درجة ان البعض يأخذ على العامليين التزامهم هذا، وينعته بالانغلاق والبقاء عند الاطلال. وكان يمكن لنا أن نسلم جدلا بهذا الكلام لو أن شعراء جبل عامل اكتفوا بالماضي أو لو أنهم لم يأخذوا من الماضي هوية نضالية ليعلنوا عبرها انتماءهم لقضايا الحاضر.
ان البعض، ولأسباب غير مقدسة لا يريد أن يفهم أو يقر بأهمية المصادر الفنية العاملية، ويريد أن ينكر على الأدب العاملي مشروعية مصادره و أهميتها،
مخ ۶
ولو حتى كان يجافي بذلك أحد أهم شعارات الحداثة أو أحد ابرز الحقائق الإنسانية المسلم بها والتي تعترف بأن الأدب العالمي الراقي هو نتاج الحزن البشري السامي. فروسيا كتبت من الأدب أجمل ما كتبته خلال تلك الفترة التي كانت تتخلص فيها من القيصر أو تتذكر فيها فيما بعد تضحياتها في هذه المعركة... والعرب ما كان الشعر فضيلتهم، لو أن الصحراء بطبيعتها وتركيبتها الاجتماعية كانت اسمح معهم وأرق وأكثر لطفا. وكتاب دول أمريكا اللاتينية يكتبون اليوم والعالم يستمع إليهم. ويمكن لنا أن نذهب ابعد من هذا لنقول: أن حوار الشمال والجنوب المعاصر حوار الفقراء والأغنياء يظل حوار طرشان إذا ما أخذ من زاويته السياسية، لكنه يظل حوارا فنيا من الدرجة الأولى، وهو بحق يمثل واحدا من أهم المصادر الفنية الحقيقية لأدب هذا العصر.
كل هذا يقودنا إلى استنتاج مركب يخص الشاعر في جانب منه ويخص مؤسسته الشعرية العاملية التي ينتمي إليها في الجانب الآخر. فالشاعر اكتسب تمايزه بامتلاكه للموهبة، وفيما شكل انتاجه الفني لونا جديدا هو مزيج من الأمس واليوم في مصادره وأسلوبه وتطلعاته... والواقع ان مثل هذه الألوان الفنية التي أنتجها الشعر العاملي في غير فترة هي التي كانت دائما تمد المؤسسة الشعرية العاملية بدم الاستمرار.
وإذا كنا قد سلطنا الضوء على كيفية تعامل الشاعر مع مصادر الأدب العاملي، فان الواقع يستلزم منا التنويه إلى أن الشاعر كان له إبداع آخر مع الحداثة في الأسلوب، في الكلمة الشعرية كتابة وممارسة (1).
شعره مرت له في هذا الكتاب قصيدتان رثائيتان: الأولى في الصفحة 112 من المجلد الثامن والثانية في الصفحة 445 من المجلد العاشر، وقد صدرت له مجموعة شعرية صغيرة سنة 1966 م بعنوان (في قرانا) وظلت بقية شعره مخطوطة لم تنشر.
وكان آخر ما نظمه أبياتا وجدت تحت وسادته في المستشفى نظمها وهو على فراش المرض قبيل وفاته:
بيتي على الرابية الحالمة * اشتاقه في اللحظة الحاسمة وانتشي من ذكر أحجاره * كأنني في سكرة دائمة حين رماني الداء في كوة * مظلمة كالليلة القاتمة اشتاق أن انشر اخباره * على ضفاف الموجة العائمة اشتاق أن توقد شمس الضحى * على جناح الشرفة النائمة فقبلوا أذيال أذيالها ما قام في خاطركم قائمة قال في أمير المؤمنين علي ع:
بي زهوي، فقد حضنت النهارا * واختيالا أعانق الأنوارا أنا في يومك التمنع والفيض * عطاياي من يدي غيارى قبضت راحتي على قطرات * من معانيك، تلهم الأفكارا كنت خليتها لنفسي شرابا * ثم أطلقتها، فكانت بحارا خطرة من سناك تلهم روحي... * خطرة من ضحاك تهدي الحيارى!
أي يوميك يا علي، فأدنوا... * منك زلفى، تبارك الأشعارا يوم سميت يا علي، فكان... * الكبر معناك، والعلاء شعارا كان يوما، ومكة في ضجيج * الشرك تفني أيامها استهتارا...
ولد الطفل في حمى الكعبة الطهر * فبشرى تفتقت في الصحاري تزرع القفر نعمة، والرمال * البكر، عزا، والمكرمات فخارا قدر الله أن تكون فتاها... * والمروءات تنتخي والشفارا وعلى الكوفة الجريحة يوم * صبغ الصبح من دماك احمرارا كان شهر الفرقان، في رمضان... * كل نفس به توقى العثارا ليلة القدر، والملائك أرواح * تنزلن، والقلوب عذارى لم تحرق بجمرة الدنس الغاوي * ولا ألبست هواها إزارا في خشوع الصلاة، في هدأة المحراب * والنفس تطلق الأسرارا لأب أفعى، واندس في المسجد * المحزون، وانهال مجرما غدارا وحسام ابن ملجم، يلعق الجرح * ويقتات خزيه والعارا...
ضربة! والامام يهزأ بالسم... * فكانت صلاته استغفارا ضربة! والشهيد يحتطب الخلد * وعبد العبيد يحطب نارا...
ضربة! وانطوت، لتنشر فينا... * صفحة منك تملأ الأسفارا كان عمرا ما بين يوميك، شال * الدهر كبرا، وروع الأقدارا كان عمرا يطيل من أمد الدنيا * ودنيا تطول الأعمارا شرف المنتهى، كما عظم البدء * وعزا شهادة وافتخارا!...
أي يوميك، كل ما فيك مجد... * يتعالى، ورفعة لا تجارى رائع فيهما، وتزدحم الدنيا * طوالا دهورها لا قصارا سل بها مطلع النبوة والاسلام * وادع الصحاب والأنصارا يوم بدر، وذو الفقار على * الروع، حتوف، يزلزل الكفارا ووساد الرسول، ليلة كادوا... * بالرسول افتديته إيثارا...
سل بها خيبرا، وقد هزم الشر * وهللت وازدهيت انتصارا أين ما شد من عزيمتك البكر... * فدك الحصون، والأسوارا خيبر تلك، عند مرمى حدود * زعموها وقسموها صغارا في فلسطين... عند مرمى ندائي * واليهودي مجرم لا يبارى خيبر هاهنا... وقد شوهوا القدس * وداسوا حرماتها استصغارا خيبر دارنا... ونحن بها العانون * سكنى، والضائقون جوارا وأخي النازح الملوح شلو... * بين أنياب حاضن يتضارى يطعم الكسرة التي حسبوها... * مهرت موطنا وشادت ديارا وطني ليس سلعة، في يد التجار * ذلوا وراوغوا تجارا بي عود إلى مشارف يافا... * ما تمادوا فلن اجل انتظارا وربوع الجنوب، أرضي كفاحي * ينشر المستبد فيها الدمارا خنجر في يد الفجور وشعب * اعزل ليس يرهب الفجارا وغدا سوف يزأر الخنجر الحر... * بحقي... ويقتل الجزارا!..
يا عليا، يا فيصلا في يمين الله... * يا وثبة تخوض الغمارا أنت من زرع أمتي... من عطايا * وطني... تنتخي وتحمي الذمارا هات وحد صفوفنا... واجمع * العرب سبيلا، وأمة وديارا، لا حدودا، لا ظلمة، لا سجونا * لا دخيلا بها ولا استعمارا
مخ ۷
يا ابن عم النبي، تقفو خطاه... * وعلى الدرب، حيث طه أنارا قدر الله منذ أن بدأ الخلق * فتوحا، لدينه، وانتشارا واصطفى أحمدا رسولا أمينا... * صدق الله فيه حين اختارا رفة من جناح جبريل، لولاها * تشق السما وتنزل غارا لقرأنا نهجا كقرآن طه... * وكآي ابن مريم للنصارى غفر الله لي، وحبك أوحى لي * غلوي، وزين الأفكارا يا امام الأحرار نور لنا الدرب * فأنت اصطفيتنا أحرارا كل عام لنا، ببابك، طابت... * وقفة عنده وطبت مزارا جئت للكون مرة، وهو يرجو * منك في الدهر لو أتيت مرارا مرة والرجاء، يوغل في الدنيا * ولن يبلغ الرجاء القرارا واحدا في الزمان... وهو مجئ... * واحد، ما أعيد دهرا ودارا يا امام الثوار، تنهد جبارا * وفي الله تصرع الجبارا...
كل يوم لنا بدربك زحف... * للمعالي تمضي لها إعصارا...
يا عليا! وماج في حبك الصبح * قريضي... ولألأ الأنوارا أعطني من لدنك زهو القوافي... * وعجيبا إن لم تسل أنهارا أعطني من لدنك جمر المروءات... * فألظى، وقد عصرت النارا...
أجد الفئ من جناحيك يحويني * فآوي، وقد هدأت قرارا هات منك الرحيق... نسكر صاحين * على سكبه... ونصحو سكارى نشا الشعر في رياض معانيك * فأعطى... وأطعم الأثمارا...
خطرة من سناك تلهم روحي... * خطرة من ضحاك... تهدي الحيارى!
وقال:
عطورك! وانساب نبع الشروق ورف رفيف الجناح الطليق فللخطو، ترنيمة كالصلاة وللدرب ضلع ينز الخفوق صديقك نيسان ما لاح بعد فأين تخلف ركب الصديق وسابقت فينا، ربيع الكروم وعانقت قبل الصباح البريق فمن أين فوحت هذا العبير؟ وعن أي شمس لمحت الشروق!
تفتقت في الدرب أكمام ورد فقدست مجد الورود الفتيق وغار الأقاح فألوى خجولا على الروض، واحمر خد الشقيق فعند الشقائق عطر الجراح وعند الأقاحي ضلوع تتوق!
وضاقت دروب الضياء... فلاذ النهار بكوة فئ سحيق وأنت وعطرك، لاذت به حياتي، فما فيك درب تضيق تمنيت لو أنني قطرة بعطرك، أغفو، ولا استفيق فان هدهدتني يد بضة واهرقني منك مس رفيق وفيت النذور، حرقت البخور وأشعلت زيت دمي في الحريق لأولد في فم قارورة وأفنى بمنعطفات الطريق!
وفاح العقيق بخاطر دربي وخاطر شعري الذي لا يطيق عقيق تمثله خاطري ليكنزه، كنز مجد عريق...
ففوحي، وخلي العقيق يفوح فاني أحب اكتناز العقيق!
سكرت من العطر، في غير سكب فعطرك كالسكب خمر عتيق ورحت أشم الرحيق المذاب بقلبي! وكيف يشم الرحيق وأغرقت قلبي، بجدول طيب فعاش على راحتيك الغريق!
كنوزك، والثغر والمشتهى على شفتيك، وقد رشيق وطعم الثمار، وأرجوحتان تواثبتا، في الحرير الرقيق وجفن يخبئ أحلامه وجفن يبوح بسر عميق وقال:
هادئ مثلما يسيل الغدير وقوي كما تموج البحور...
لم أزل أعصب الضلوع عليه كي يعيش اللظى وتحيا الصدور خضب الوحي بالفتون جناحيه فغناه خاطري المفطور حبنا!! وارتمى الفراش على النور ليفنى صب وينهل نور همسة الفئ للضفاف حكتها ضفة سمحة، وفئ قرير!
كدمانا التي بذرنا... فعاشت في الحنايا وأطعمتنا البذور نحن من زرع ما أرقنا من الدمع وما صبه الدم المحرور شفق يزرع اللهيب على الأفق خضيب أصيله والبكور كان مهر الهوى... وقد بسم الحب فأعطت كما رغبنا المهور كنذوري، مشاعلي وزيوتي وهج... وابتهالة ونذور نحن والحب، ظامئ وكؤوس سكر الحب أو صحا المخمور!
يا هوى ناشئا على شرفات الفجر أوطانه الندى والزهور دافئا كالسماح... ريان كالأفياء نعمى غلاله وسرور ضاق عنه المدى الفسيح... وضج العمر فيه... فالعمر فيه دهور حل أضلاعنا، فأينع شوقا ولهيفا وباح عنه الزفير وطعمناه من لبان أمانينا أماني رزقها موفور وحرقنا له البخور لينمو فنما الحب وافتدانا البخور مهده في اختلاجه النبضة الحرى وسكناه في الزمان الضمير أي حب هذا الذي زرع الدنيا رجاء... فهو الرجاء النضير!؟
يا هوى سائحا على لألآت النجم منه طي وفيه نشور كملت رحلة النهار وقرت كرة الشمس، فهو شمس تدور ومضى يعمر الدجى فهو فيه لألآت وأنجم وبدور رحلة تصنع الحياة على الأيام فهو الحياة حيث تمور يا هوانا! وانصت الجدول الصاحي وأغفى على النشيد الخرير وتلاقت أمواجه والنسيم المترامي... والشاطئ المعمور وإذا الموج والنسيم كتاب عن هوانا وصفحة وسطور!
كل شئ يغار في الحب منا لو يوافيه من هوانا اليسير!
لو تفاق الخرير، لو عشق الصفصات يوما، ولو أحب الغدير أمنيات تبوح في خاطر العمر فيحلو قليلها والكثير!
يا هوى يستحم في ضفة الحلم أباريقه المنى لا النمير يتعرى كي ينسج الحلم ثوبا بعض ألوانه الشذى والعبير مستراح الندى هناك... مقيل الظل... مأوى تلم فيه العطور و مراح للشاربين ومغدى للنشاوى... وساكب وخمور وأفاق الربيع يهزج للحب وغنت مع الربيع الطيور
مخ ۸
نحن دنيا الشروق... نحن حروف النور، آمالنا ربيع غضير غزلت ضوءنا الشموس فشدنا موئلا في الذرى رجته النسور وأقامت حدودنا في دروب النور، فانداح في ربانا النور حبنا منتهى الزمان فقري في مداه وللزمان ضمير!
وقال:
يا دفقة النور صباح الغد أنت وآمالي على موعد مقامنا عند احتضار الندى بين الضحى، والليل، والفرقد حشائش مفروشة، ههنا وههنا، فحيث شئت اقعدي والروض، حضن دافئ، والهوى وسادة من مهجتي، فارقدي ما أطول الليل الذي بيننا أواه، من مفرقة الأسود لو أنني املك ركب الضحى ولو تناولت الدجى في يدي قذفت بالليل وساعاته حتى يواري من طريق الغد كم موعد لي منك في خاطري يضيق، كالسقم، به عودي والموعد الحلو، على مره يحسدني في مره حسدي أ ليس بعد الملتقى فرقة وهل يكون الملتقى مسعدي كيف أروي العمر من لحظة يتيمة كالأبعد الأبعد!
النار في قلبي شبوب اللظى أنت لها برد فلا تبعدي إن نبترد، فاثنان في بردها أو نحترق فاثنان في الموقد فاقبلي فالعمر وقف على لقياك، يا أحلى من الموعد!
وقال من قصيدة بعنوان (في قرانا) ويقصد بها قرى جبل عامل:
كما جعل هذا العنوان لمجموعته الشعرية الوحيدة التي طبعت وكان منها هذه القصيدة:
في قرانا! يورق النور اشتهاء لقرانا!
كدسته الشمس أكواما على صحو ذرأنا...
كعروس، غرقت بالنور في جدول فضه وعلى خطوتها، تشهق في الأضلع نبضه والفتى نيسان يحتل على السهل ، مكانا ورجال في سفوح المجد يبنون الزمانا في قرانا!...
في قرانا أزهر اللوز وفاح البيلسان واللهيب الأبيض، المزهو عرس في الجنان أشعلته أنمل الخالق زهرا يتلألأ والندى يشربه الفجر ويسقيه حلالا!
والفتى نيسان!
ضيفنا نيسان بالباب ربيع من جديد فافتحوا الأبواب للقادم في موكب عيد إنه يحمل أزرارا وشمسا، وظلالا وقوارير من العطر ورزقا، وغلالا والفتى الإنسان الاله المنتضي معوله في كل تله دمه المعروق ينساب شذى من كل افلة إنه الإنسان الاله المنكر الأصغر أو شبه الاله يحصد الموت ليبقى خالدا مجد الحياة ذاته حقل من الحب ومن زرع المنى فدعوا نيسان يختار مقيلا عندنا...
فالرفيقان على العهد أقاما مهرجانا في قرانا!...
في قرانا! عند مرمى الصوت من أرض المعاد مارق يفزعه أني حر في بلادي بدعة العشرين، عار الجيل لا يمحوه ماحي فتعالوا نغسل العار بمخضل الجراح والفتى نيسان!
عزمة مؤمنة تحرس في صف الجنود ضاحكا يسخر من أسطورة خلف الحدود إنه يحمل إيمانك
مخ ۹
بالأرض السليبه وقوارير من الموت لأعداء العروبة والفتى الإنسان الشهيد الحي يلظى بمروءات الرجال صابرا ينتظر الموت فداء عن تلالي أنه الإنسان عربيا كفلسطين سيبقى عربيا!...
ينكر العيش مع الذلة أو يقضي أبيا!
فدعوا نيسان يختال شبابا وفتوه...
وازرعوا الإنسان في الخندق كي ينبت قوه فالرفيقان على العهد أقاما مهرجانا في قرانا!...
إبراهيم العلوي بن حسين ولد في كربلا عام 1923 م وتوفي سنة 1962 م كان أبوه شاعرا معروفا في أندية الفرات ومجالسه. أخذ عن أبيه علوم النحو والصرف وتأثر به في الشعر لكنه استقل بموهبته الشعرية في العشرينات من عمره ورسخها بثقافته، عين في وزارة المعارف واختلط بالمجالس الأدبية في بغداد، له أكثر من ستة كتب والعديد من المقالات الأدبية في الدوريات العربية (1) الحاج ميزا إبراهيم مجتهد ولد سنة 1173 في شيراز وتوفي في طهران. وفي سنة 1211 سافر إلى العتبات المقدسة في العراق حيث درس علي السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ثم عاد إلى شيراز وانصرف إلى البحث والتدريس والتأليف والعبادة.
له: بحر الحقائق في الفقه، وحاشية على كتاب معالم الأصول، وحاشية على اللمعة.
أبو الحسن شمس آبادي بن محمد إبراهيم ولد في أصفهان سنة 1326 واغتيل سنة 1396 في أطراف أصفهان.
درس المقدمات والسطوح في أصفهان. ثم سافر إلى النجف ودرس على كبار علمائها، ثم رجع إلى أصفهان فكان من مراجعها له: شرح الصحيفة السجادية، موعظة إبراهيم، رسالة في أصول الدين وغير ذلك.
الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني.
نشر له ديوان باللغة العربية بتحقيق جلال الدين الأرموي المحدث فكتب عنه السيد أحمد اللواساني في مجلة الدراسات الأدبية ما يلي:
هذا الديوان العربي مظهر لامتداد اهتمام الأدباء الإيرانيين باللغة العربية وآدابها حتى العصر الحاضر، فصاحبه الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني وهو عالم ديني مرموق توفي سنة 1316 ه. وقد تمكن من العربية وراضها قبل أن يهاجر إلى العراق سنة 1300 ه انتجاعا للعلم وتكملة للمعرفة حيث بقي عشر سنوات يتتلمذ ويتفقه على مرجع عصره الامام السيد محمد حسن الشيرازي، وبعد عودته إلى طهران فوض إليه الملك ناصر الدين شاه جميع شؤون المدرسة الناصرية الحديثة البناء، وفي بعض القيود أنه هو الذي افتتح مدرسة سبهسالار التي هي اليوم كبرى المدارس الدينية في طهران واسكن فيها الطلاب واشتغل بالتدريس فيها. وتعد له كتب التراجم الحديثة عدة كتب ورسائل، وتجمع كلها على ملكته الشعرية وطول باعه في العربية وحسن اطلاعه على الأدب العربي، والغريب أنه وهو الإيراني الفارسي اللغة والمنشأ والختام لم يعرف عنه في الفارسية إلا قصيدة واحدة.
وتكثر في الديوان القصائد الطوال التي يبدو أنها من خصائص شعر الناظم!، كما أنه عامر بالمقطعات المتوسطة والصغيرة وخاصة الرباعيات والموشح والتخميس.
أما القصائد الطوال فمعظمها في المدح، وهو مدح يكاد ينحصر بالنبي و الأئمة والزهراء ثم بالسيد محمد حسن الشيرازي علامة عصره الذي تطغى شخصيته على الديوان، فنقرأ اسمه مع مدائح الأئمة كما نقرأ اسمه مستقلا، وقلما تفوت ذكره والإشادة به مديحة من المدائح الطوال.
أما أسلوبه فهو الأسلوب القديم من الابتداء بالغزل أو الخمرة وما شابه، ومن تعظيم شان الممدوح وتشبيهه بالتشابيه المجسمة المبالغ فيها وجعله فوق مستوى الناس العاديين، وأما تعابيره فسهلة واضحة على الغالب رغم استعماله بعض الكلمات الغريبة، وله في أشعاره تعابير وإشارات إلى قصائد شعراء آخرين أو أحاديث أو وقائع تاريخية تدل كلها على سعة اطلاعه وكثير تبحره...
وعلى سبيل المثال ننقل قوله:
أيها المنكر المكابر جهلا فضل أهل الزمان من غير لب جئ بسيف من آل حمدان يوما كل يوما أجئك يا لمتنبي ومن شعره كذلك:
مهلا فما هي في الكؤوس عقار بل هذه مهج القلوب تدار يا من يصول على القلوب بمرهف من لحظة والموت منه غرار رفقا وانى فيك ينجع لوعتي وتحنني والظلم منك شعار أفدي لواحظك التي ان تلتفت من لمحها ظبي الصريم تغار عجبا للثغة لفظك الغنج التي للقلب منها نشوة وخمار يا من سبى عقلي واسلمني إلى وله الصبابة طرفه السحار لم لا تجود بوعدة من منطق من لطف لثغته العقول تحار السيد أحمد القزويني بن السيد حميد ولد سنة 1927 م في مدينة طويريج التي تعرف أيضا باسم: الهندية
مخ ۱۰
وتوفي سنة 1992 م كتب عنه السيد جودت القزويني (1) ما يلي:
هو السيد أحمد بن السيد حميد بن السيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني.
دخل بداية سنية الأولى (الكتاب) أو ما يسمى الدراسة عند (الملة)، وكان ذلك في مسجد آل القزويني القريب من دراهم، ودرس على يد أحد معلمي (الصبيان) وهو (أبو إحدبية الملا)، وبإشراف خاله السيد إبراهيم القزويني (المتوفى سنة 1978 م) الذي كان مراقبا عاما على الأطفال في هذا (المكتب).
وكان مركز (الكتاب) منظما على هيأة صفوف تحتوي على مقاعد دراسية.
وقد تعلم مبادئ القراءة والخط قبل أن ينتظم بالمدرسة الابتدائية وكانت في مدينة (طويريج) (2) مدرسة واحدة سميت بالمدرسة الابتدائية الأولى. وعند افتتاح الصف الثاني في المدرسة الابتدائية الثانية توسط مدير المدرسة لدى والده السيد حميد لينقل ولده أحمد إليها لكي يشجع نميره من التلاميذ للانتقال إليها.
وبعد إكمال المرحلة الابتدائية اضطر لإكمال دراسته لمرحلة المتوسطة في مدينة (الناصرية) حيث لم توجد مدرسة لمرحلة ما بعد الابتدائية في مدينته، فصحب خاله السيد كاظم القزويني المتوفي سنة 1396 (الذي عين سنة 1942 م مديرا لثانوية الناصرية) - للدراسة هناك، وبقي عامين دراسيين انتقل على إثرهما إلى الحلة عام 1945 م مع خاله الذي انتقل إليها مديرا لثانوية الحلة هذه المرة. لكنه فضل عدم مواصلة دراسته الرسمية والرجوع إلى مسقط رأسه، والإشراف على أملاك والده من الأراضي الزراعية.
وقد بدأت طموحاته تتفتح للحياة، وأخذ بفضل توجيه أبيه يكتب الشعر وينظمه حتى قوي عوده، وصلب.
وعند إجازة الأحزاب السياسية في العراق سنة 1947 م - 1948 م انتمى إلى حزب (الاستقلال) الذي كان يرأسه الشيخ مهدي كبة المتوفي سنة 1984، وهو لم يزل بعد في بداية سني شبابه، وربما كان ذلك بتأثير عمه السيد علي القزويني المتوفي في (16 حزيران سنة 1957 م)، الذي كان من مؤسسي حزب الاستقلال، وعضو الهيئة المركزية للحزب ومسؤول منطقة الفرات الأوسط يومذاك.
كانت مدينة (طويريج) في هذه المرحلة الزمنية مزدهرة بأعلام الأدب أمثال السيد محمد رضا الخطيب (3) والأستاذ إبراهيم الشيخ حسون، وغيرهم.
وكان مجلس آل القزويني عامرا بهم كل يوم. وكان (براني) هذه الدار مدرسة حقيقية لبعض الشباب المتطلع إلى الأدب والسياسة، فشب أحمد القزويني في مثل هذه الأجواء الملتهبة شعرا وأدبا وسياسة، وتألق بين أخدانه شاعرا مجدا، بدأ يشارك في الاحتفالات الدينية والسياسية التي يعقدها حزب الاستقلال في المناطق الفراتية حتى عرف بلقب شاعر (الاستقلال). ولعل في ديوانه المخطوط ما يؤرخ لكثير من أحداث هذه الفترة.
وفي سنة 1954 م عين أحمد القزويني رئيسا لبلدية الهندية. وقد اهتم في عمله بتحسين الظروف المعيشية لدى أبناء بلدته. وفي عهده تم إنشاء الجسر الحديدي للمدينة بدلا من الجسر الخشبي العائم وذلك عام 1955 م ليربط جانبي البلدة، كما يرجع له الفضل في إنشاء مشروع (الألسالة) الذي غطى المدينة، والقرى المجاورة بالماء.
وبقي في عمله حتى أواسط السبعينات الميلادية حيث نقل إلى مديرية بلديات الحلة. وأحيل على التقاعد عام 1982 م.
أدركت أحمد القزويني أوائل السبعينات الميلادية، وتوثقت صلتي به منذ عام 1972 حيث أصبحت شبه مؤهل لفهم طبيعة ذاته، وفنون شعره وأدبه، وأخذت أدرك ما لهذا الشخص من مكانة متميزة بين أفراد هذه الأسرة.
وبالرغم من ملكاته الذاتية، ومواهبه الأدبية، وصلاته الاجتماعية الواسعة إلا أن شهرته بقيت مقتصرة على وسطه، وقد اختفى شعره عن الأنظار، ولم يواصل النشر، ولا حتى التفكير بطبع نتاجه الأدبي، أو دراساته التي كتبها في أكثر من مجال.
وكان في تصرفاته متوازنا مع ذاته، محبا للناس، يعطي كل ذي موهبة حقه، محدثا لا يمل حديثه، وطريقا يبدع في مواطن الطرفة حتى لو كانت على نفسه، مع أدب واحتشام ومروءة. وأحفظ من نوادره، وفنه الاجتماعي كثيرا من الطرف والملح سجلت بعضها في ثنايا كتاب " الروض الخميل ".
فمن شعره ما نظمه في تخليد حادثة عزاء طويريج (4) التي سقط فيها أكثر من ثلاثين قتيلا على أحد أبواب مرقد الإمام أبي الشهداء:
ذكراك وهي مدى الزمان تخلد وأريج ذكرك عاطر يتجدد إيه أبا الشهدا ببابك فتية نالوا الشهادة في حماك فخلدوا سمعوا الندا يعلو ألا من ناصر عنا يذب غداة عز المنجد فأتتك أرواح لهم تهفوا على ذاك الضريح وعند بابك تسجد ما الموت أدرك من ببابك إنما موت الشهيد بيوم رزئك مولد!
ساهم أحمد القزويني بالكتابة الصحفية، وأخذ بنشر مقالاته ودراساته في الصحف العراقية، كما نشر كثيرا من شعره السياسي الذي حفلت به مرحلة
مخ ۱۱
الخمسينات والستينات الميلادية. ولجأ إلى التأليف وقدم عددا من البحوث منها:
1 - جناية السياسة على الأدب. وهو بحث عالج فيه (جدلية الرجال وتغير المواقف السياسية) يقع في حدود المائة صفحة.
2 - من وحي شهر رمضان، أو (خواطر صائم). نشر منه مقالات متتابعة.
3 - الإمام الحسن بن علي (ع) دارسة وتحليل.
4 - ديوان شعره، سماه " تراث الأديب " يقع في جزأين 5 - طويريج منذ التأسيس حتى اليوم.
6 - كتاب النوادر في الأخبار والأشعار والطرف الأدبية.
كتاب النوادر انبثقت فكرة تأليف كتاب " النوادر " عام 1984 م كرغبة شخصية بحتة كان المؤلف يسعى إلى تحقيقها، ولم شتات ما قرأه، أو سمعه من طرف، ونوادر استحسنها بذوقه الفني والأدبي.
وتطورت هذه الفكرة إلى جمع هذه الأشتات بعضها إلى بعض تحت عنوان " الطرف الأدبية "، إلا أن الكتاب لم يكن مرتبا على العناوين، وإن كان متناسقا في جمعه، وتأليفه.
احتوى كتاب " النوادر " على مجموعة من الملتقطات الشعرية، والحكايا المستملحة تختلف في فتراتها الزمنية، فبعضها يختص بأدب القرن التاسع عشر الميلادي، أما القسم الثالث - وهو أهمها - فيعود إلى أدب القرن العشرين ممن أدركهم المؤلف، أو عاصرهم، أو سمع عنهم من أدباء العصر وشعرائه المشهورين أو المغمورين على حد سواء.
امتاز الكتاب في كل ما حواه - أن مؤلفه استطاع أن ينقل هذه الطرف، والأخبار، والنوادر بأسلوبه الذاتي، ونكهة تعبيره الخاص، مما أضفى على أحاديثه أسلوبا مجلسيا شيقا، لا تكلف فيه، وهو أقرب ما يكون إلى الأسلوب المترسل الأخاذ.
كما حفل أيضا بأسماء نخبة من شعراء الأدب المنسي الذين لم يترجموا في كتاب، ولا عرف أحد منهم في أوساط الشعر والأدب رغم ملكاتهم، وغزارة نتاجهم الأدبي.
ولما كان الكتاب خاليا من العناوين، كانت مهمة الوصول إلى هذه الأخبار والطرف ليست باليسيرة، فجهدت إلى وضع عناوين مستلة من جو المناسبة لتسهل على القارئ الاهتداء إلى مطالب الكتاب، واختيار ما يتطلبه بأقصر وقت، وقد وضعت ترقيما متسلسلا لهذه الأخبار والأشعار، والطرف الأدبية بلغ مائتين واثنين وعشرين مطلبا.
كما علقت على بعض المواضع التي رأيت ضرورة الإشارة إليها، وميزتها عن الهوامش التي وضعها المؤلف بنفسه، ورمزت لها بالحرف (ج).
وقد عثرت على أبيات للمؤلف يود فيها أن يرى كتابه بيد قرائه ليشاركوه المتعة في اقتناص هذه الشوارد، وكان يحس أن ظهور ا لكتاب في حياته ضرب من ضروب الأماني حيث قال:
" قلت: وأنا أشارف على نهاية كتاب " طرف أدبية "، وأمنيتي في طبعه:
عز في عيني كتابي وانقضى مني شبابي ليتني أعلم هل أسطيع إكمال كتابي أي فضل لفتى يخرجه بعد غيابي ثم أردف أبياته هذه ببيتين لما أتم تأليف الكتاب، وهما:
فمتى أراك موزعا تغزو المكاتب والبيوتا فلقد بذلت لك الكثير لتغتدي للفكر قوتا ويحز في نفسي أن يخرج الكتاب إلى عالم النور بعد غياب مؤلفه، وكلي أمل أن يكون هذا الجهد مدعاة لتجديد اسم أحمد القزويني، وتخليد ذكراه!
الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء مرت ترجمته في موضعها ولم تذكر سنة وفاته، توفي سنة 1344.
السيد أحمد الخونساري ولد سنة 1309 في خونسار وتوفي سنة 1405 في طهران ودفن في قم درس دروسه الأولى في خونسار ثم في أصفهان ثم انتقل إلى النجف الأشرف فحضر على السيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الأصفهاني والشيخ حسين النائيني والشيخ ضياء العراقي، ثم جاء إلى قم فحضر على الشيخ عبد الكريم الحائري، ثم استقر في طهران وبقي فيها حوالي الخمس والثلاثين سنة مرجعا من كبار مراجعها.
ترك من المؤلفات: 1 جامع المدارك في الفقه 2 العقائد الحقة 3 حاشية على العروة الوثقى 4 مناسك الحج 5 رسالة عملية.
8: أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله مرت ترجمته في الصفحة 16 من المجلد الثالث ونزيد عليها هنا ما يلي:
مر في ترجمته شعر له يدل على تشيعه، ونزيد هنا على ذلك الشعر هذين البيتين:
لعمرك ما أسر بيوم فطر ولا أضحى ولا بغديرهم وكم ابدى تشيعه غوي لأجل تنسب ببلاد قم ومعلوم ان الشيعة يعتبرون يوم (غدير خم)، وهو اليوم الذي خطب فيه النبي (ص) بعد عودته من حجة الوداع خطبته الشهيرة التي قال فيها: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة معلوم ان الشيعة يسمون هذا اليوم (عيد الغدير) ويحتفلون به، وأبو العلاء يذكره هنا مقرونا بعيدي الفطر والأضحى، اي يعتبره عيدا اعتبار الشيعة له، وليس من دلالة على تشيع أبي العلاء أوضح من هذه الدلالة. (انتهى) وبعد هذا نأخذ مما كتبه الدكتور حسين مروة في دراساته عن أبي العلاء لا سيما عن ديوانه " سقط الزند " ما هذا نصه:
هل خلا أدب " سقط " الزند من الأدب القومي؟ كان أبو العلاء مفكرا انسانيا يتأبى النزعة القومية ويرفض " التضييق " على نزعته الإنسانية بأن " يحدها " اطار من النظر الخاص إلى نسبته العربية؟
لا بد أن يرد مثل هذا السؤال على أذهاننا، ولا بد ان نقارن أبا العلاء بصاحبه أبي الطيب الذي نفح عروبته بقصائد ذات صيت معروف، ثم نسأل: أ كان لتلك الصحبة الروحية الحميمة بين أبي العلاء وشعر أبي الطيب اثر ظاهر في شئ من أدب شاعر المعرة؟
اما في " اللزوميات " فقد يكون البحث عن هذا بحثا لا يجدي ولا يثمر، إذا كان القصد ان نعثر فيه على كلام مباشر يتحدث عن شأن خاص بالعرب،
مخ ۱۲
من حيث علاقته بهم وعلاقتهم به، أو من حيث موقفهم السياسي أو العسكري من أعدائهم والطامعين في بلادهم أو في موقف أعدائهم منهم.
ولكن سنجد في " اللزوميات " أفكارا وآراء كثيرة تتسم بالطابع الفكري النظري وهي ذات مقاصد سياسية واجتماعية متأثرة بجوهر الأوضاع السياسية والاجتماعية التي كانت تسود المجتمع العربي الاسلامي في عهده، وكانت الدولة العربية الإسلامية، بوجه عام، مصدر الكثير من هذه الأوضاع. انه يتحدث هناك عن الرؤساء والأمراء إذ يراهم يعدون على الرعية، وهم اجراؤها، ويتحدث عن مظاهر الفساد والاضطراب في مختلف مناحي الحياة العربية يومئذ، ويتحدث عن المظالم الاجتماعية تصيب فئات المجتمع الضعفاء، وعن سوء توزيع الحظوظ بين الناس، إلى غير ذلك من الانعكاسات الحقيقية الصادقة عن أوضاع المجتمع والدولة في شعر " اللزوميات " كما يعرف الجميع.
ولكن، ما إلى هذا النوع قصدت، حين وضعت السؤال بأمر الشعر القومي في أدب أبي العلاء. بل قصدت إلى وجه آخر من هذا الأمر، حيث يبدو الشاعر وكأن احساسا ينبع من وجدانه الشاعري فيهز ملكاته وأدواته الفنية للتعبير عن عاطفة الاعتزاز بقومه: بتقاليدهم، بمفاخرهم، بشمائل معينة من أخلاقهم، بوقائع معروفة من فعالهم، بمزايا مأثورة من مزاياهم وخصائص تاريخهم... هل في شعر " سقط الزند " شئ من هذا؟
نعم، وهنا لنا فارق جديد بين " سقط الزند " و " اللزوميات "، أو بين المعري في مرحلتيه: الأولى والثانية:
نقرأ قصيدته التي مطلعها:
هو الهجر حتى ما يلم خيال وبعض صدود الزائرين وصال وعجيب ان المعري يخرج من المطلع هذا، ليدخل رأسا إلى موضوع القصيدة، دون أن يستنفد شيئا من طاقته في ما عودنا إياه من تقديم الغزل والنسيب ووصف المسير والإبل والفيافي ومشاق الاسفار وظلمات الليالي وعصف الرياح ومشاهد النجوم ووهج السيوف واكتظاظ الرماح، إلى نهاية السلسلة...
ينتقل من المطلع رأسا، وهو طافح العنان، إلى حديث هذا الفتى العربي الذي " تقصر الابصار عن قسماته " وتقوم الهيبة والجلال يسترانه دون كل ستر يمنع النظر إليه، ونحن لا نعرف من هو هذا الفتى المهيب، ولكننا نعرف انه قائد معركة دارت في " حارم " من شمال سوريا، وأن المعركة كانت على الثغور بين جيشه وجيش الروم الذي اعتاد أن يغزو بلاد العرب على تلك الحدود، ويهيجنا الشاعر لأن نصغي ونرى كيف يجيش على الخيل التي يقودها الفتى العربي بحر من الكتائب، وتخر إليها الشهب وهي نصال، وكيف يترامى إلى المعركة:
فوارس قوالون للخيل أقدمي وليس على غير الرؤوس مجال لهم أسف يزداد اثر الذي مضى من الدهر سلما ليس فيه قتال بأيديهم السمر العوالي كأنما يشب على اطرافهن ذبال (1) وبعد قليل نرى الشاعر، في انقض الحماسي، وقد انقض على جماعة الروم الغزاة، حين تصورهم في غمرة الذعر وشدة المحنة عند لقاء الكتائب اليعربية، فإذا هو يجهز عليهم بهذا الهدير:
بني الغدر، هل ألفيتم الحرب مرة وهل كف طعن عنكم ونضال وهل أطلعت سحم الليالي عليكم وما حان من شمس النهار زوال (2) وهل طلعت شعث النواصي عوابسا رعال ترامى خلفهن رعال (3) لها عدد كالرمل المبر على الحصا ولكنها عند اللقاء جبال (4) فان تسلموا من سورة الحرب مرة وتعصمكم شم الأنوف طوال (5) ففي كل يوم غارة مشمعلة وفي كل عام غزوة ونزال (6) خذوا الآن ما يأتيكم بعد هذه ولا تحسبوا ذا العام، فهو مثال ونجري سراعا مع الشاعر، لكي نرى خيل الكتائب العربية، وهن:
يردن دماء الروم، وهي غريضة ويتركن ورد الماء، وهو زلال (7) تجاوزه بالوثب كل طمرة تمازج في فيها دم ورؤال (8) تدانت به الأقران، حتى تجاثأت كأن قتال الفيلقين جدال (9) وقد علم الرومي انك حتفه على أن بعض الموقنين يخال فما كبروا حتى يكونوا فريسة ولا بلغوا ان يقصدوا فينالوا ونجول جولة ثانية في " سقط الزند "، فإذا بنا نقف دهشين أمام هذا المستهل يفجؤنا منه هذا الصدى المتجاوب المرنان:
لقد آن أن يثني الجموح لجام وأن يملك الصعب الابي زمام أ يوعدنا بالروم ناس، وإنما هم النبت، والبيض الرقاق موام؟
أبو العلاء هنا فارس على أهبة ان ينزل المعركة، ولكنه يبتدر العدو بالنذير الرهيب قبل النزال، والعدو هنا هو جيش الروم كذلك أو من يواليهم ويستعديهم من الخونة الأعراب، والمعركة دفاع عن الثغور، وذياد عن الحمى العربي، وانتخاء لضرب الغزاة، واعتزاز بأمجاد الفروسية العربية:
كان لم يكن بين المخاض وحارم كتائب يشجين الفلا وخيام (10) ولم يجلبوها من وراء " ملطية " تصدع أجبال بها وآكام (11) كتائب من شرق وغرب تألبت فرادى أتاها الموت، وهي تؤام غرائب در جمعت، ثم ضيعت وقد ضم سلك شملها ونظام بيوم كأن الشمس فيه خريدة عليها من النقع الاحم لثام (12) كأنهم سكرى أريق عليهم بقايا كؤوس ملؤهن مدام فأضحوا حديثا كالمنام وما انقضى فسيان منه يقظة ومنام والظاهر من سياق القصيدة انها موجهة إلى قائد عربي امتحنته التجارب بمقاتلة الروم، ولكن المصادر التي بأيدينا لا تعين لنا هذا القائد، غير أن لهجة أبي العلاء في هذه القصيدة ليست لهجة المادح كما نعرف طرق المدح في شعرنا القديم، بل من الواضح أن أبا العلاء هنا يعبر عن انفعال وجداني بالقضية التي
مخ ۱۳
تدور عليها القصيدة، وظاهر ان القضية ليست تعني الشاعر وحده، ولا الممدوح وحده، وإنما هي تعني قوما من الناس نحس أن الشاعر عظيم الاعتزاز بهم، عميق الثقة بسلامة قضيتهم التي تتحدث عنها القصيدة، ونجد في ذلك حرارة لا تكون في الشعر عادة الا أن تكون هنا مشاركة وجدانية بين الموضوع والشاعر:
وردوا إليك الرسل، والصلح ممكن وقالوا على غير القتال سلام فلا قول الا الضرب والطعن عندنا ولا رسل الا ذابل وحسام فان عدت، فالمجروح توسى جراحه، وان لم تعد متنا ونحن كرام فلسنا وان كان البقاء محببا - بأول من أخنى عليه حمام (1) وحب الفتى طول الحياة يذله وان كان فيه نخوة وعرام وكل يريد العيش، والعيش حتفه ويستعذب اللذات وهي سمام (2) فلما تجلى الأمر، قالوا تمنيا: ألا ليت أنا في التراب رمام وراموا التي كانت لهم وإليهم وقد صعبت حال وعز مرام وإذا كانت المصادر التي نرجع إليها الآن في سيرة أبي العلاء لا تلقي ضوءا على موضوع هذه القصيدة أو على صاحبها الذي يخاطبه فيها أبو العلاء، برغم الجهد الذي بذلناه في استنطاق الحوادث التي عاصرها الشاعر قبل رحلته إلى بغداد وبعد هذه الرحلة، وفي مقارنة روح القصيدة ومضامينها بتلك الحوادث نقول: إذا كانت المصادر لا توضح لنا شيئا يطمئن إليه الباحث بهذا الشأن، فإننا نميل إلى الحدس - الحدس وحسب - بأن أبا العلاء أنشأ هذه القصيدة خلال البرهة التي كانت الحرب فيها سجالا بين الفاطميين والبيزنطيين في بلاد الشام، وذلك قبل ان يرحل أبو العلاء إلى بغداد، وحين كان في المرحلة الأولى من حياته، مرحلة الشباب.
وهذا الحدس، إذا دعمه دليل أو شاهد تاريخي مقبول، إنما يوجه هذه القصيدة لأن يكون صاحبها الذي قيلت فيه واحدا من قادة الجيوش الفاطمية التي حاربت البيزنطيين في بلاد الشام نحو أربع سنوات، كما مر، فإذا استطعنا أن نطمئن إلى هذا التوجيه، وضعنا دليلا جديدا بيد الباحث الكبير مارون عبود على صحة رأيه بأن أبا العلاء كان فاطمي المذهب.
غير أن هذه النتيجة، إذا أمكن الوصول إليها من الوجهة التاريخية بالأقل، لا تمنع ان تظل القصيدة هذه ذات وجه عربي تتلامع فيه من أبي العلاء ملامح الاعتزاز بعروبته والانتخاء لكرامة قومه وعزتهم.
وقد تزيد هذه الملامح تألقا حين نطوف مرة أخرى في أشعار " سقط الزند " فإذا أبو العلاء يستوقفنا أيضا عند هذه القصيدة التي مطلعها:
إليك تناهى كل فخر وسؤدد فأبل الليالي والأنام وجدد ولكنه يبهم علينا الأمر هنا كذلك، فلا يزيد في عنوان القصيدة عن هذه الكلمات: " وقال أيضا مادحا "... أما من هو الممدوح هنا، فكل شئ مبهم لا يرد جوابا عن ذلك. ولا ندري أ كان قصدا من أبي العلاء إلى هذا الابهام، وهو جامع " سقط الزند " كما نعلم، أم كان ذلك من صنع الأيدي الكثيرة التي تداولت نسخ الديوان، أم من صنع الناشرين بعد ذلك؟
المرجح أن ذلك من صنع أبي العلاء نفسه، بدليل ما جاء في مقدمته لسقط الزند من اظهاره التنصل من مدائحه التي وجهها إلى الأمراء والحكام، إذ قال:
" ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طالبا للثواب، وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس " الطبيعة ". ثم قال في تفسير مدائحه: "... وما وجد لي من غلو علق في الظاهر بآدمي وكان مما يحتمله صفات الله عز وجل سلطانه، فهو مصروف إليه، وما صلح لمخلوق سلف من قبل، أو غير، أو لم يخلق بعد، فإنه ملحق به وما كان محضا من المين لا جهة له، فأستقيل الله العثرة فيه ".
فإنه لظاهر من هذا النص أن أبا العلاء حين جمع " سقط الزند " وهو معتكف في " محبسيه " كان حريصا ان يتنكر لعلاقاته السابقة برجال السياسة أيام شبابه و قبل اعتكافه، وبتأثير هذا الحرص تعمد ان يغفل أسماء ممدوحيه في سقط الزند ليطمس معالم العهد الذي سبق عهد عزلته. وهذا سر آخر من أسراره التي غمضت على المؤرخين له والباحثين في شأنه. ولكن هل تنصل أبي العلاء من مدائحه تلك في عهد عزلته يغير شيئا من الواقع نفسه، نعني الواقع الموضوعي الذي أنشئت تلك القصائد من أجله؟ ان رغبة أبي العلاء ذات صفة أخلاقية وفكرية مرهونة بحاله في عهد خاص، وأما ذلك الواقع فله صفة تاريخية موضوعية لا يغيرها شئ.
ولكن مؤرخي أبي العلاء هم المقصرون، فلم ينفقوا جهدا في كشف العلاقة بين قصائد المدح وروابطها التاريخية، في حين ان مثل هذه المهمة تدخل في صميم التاريخ الحقيقي لرجل ذي شأن كشأن أبي العلاء... ويقينا لو أن المؤرخين، قدماء ومحدثين، قد عنوا بهذه المسألة لانكشفت لنا غوامض جمة من سيرة الرجل، ومن مذاهب الرأي فيه، ومن أسباب عزلته وتزهده، ومن اتجاهاته العقلية والدينية.
وكيف كان الأمر، فإن أبا العلاء يستوقفنا الآن في " سقط الزند " عند هذه القصيدة، فإذا نحن نعلم - كل ما نعلم - ان الممدوح بها أمير عربي محارب، وانه من القادة الذادة عن ثغور الدولة العربية الإسلامية على حدود الروم من شمال سورية، وذلك إذ يخاطبه أبو العلاء:
ولولاك لم تسلم " أفامية " الردى وقد أبصرت من مثلها مصرع الردي (3) فأنقذت منها معقلا هضباته تلفع من نسج السحاب وترتدي وحيدا بثغر المسلمين كأنه بفيه مبقى من نواجذ أدرد (4) بأخضر مثل البحر ليس اخضراره من الماء، لكن من حديد مسرد (5) وقبل أن نفرع من أمر هذه القصيدة، نرى من المهم أن نشير إلى بصيص من نور يلوح لنا خلال أبياتها، ذلك إذ ترد كلمة " الشريف " في هذه القصيدة مرتين يطلقها الشاعر على ممدوحه حين يخاطبه:
متى أنا في ركب يؤمون منزلا توحد من شخص " الشريف " بأوحد يذكرن من نيل " الشريف " مواردا فما نلن منه غير شرب مصرد فمن هو هذا " الشريف " المحارب للروم في عهد أبي العلاء إذ ثغور العرب قد تساقطت حصونها إلى أيدي الروم، ولم يبق منها غير واحد يسميه الشاعر " أفامية " وقد أنقذه هذا " الشريف " نفسه؟...
نرجع إلى التاريخ السياسي لذلك العهد، نبحث فيه عن قائد عربي شغل نفسه في محاربة الروم أيام كان أبو العلاء يمدح الأمراء والقواد، ويعني بالثناء على ذادة الثغور ومنقذي الحصون العربية من البيزنطيين أنفسهم. نرجع إلى ذلك التاريخ، فلا نجد من يصح أن يتوجه إليه مثل هذا الخطاب من أبي العلاء، ويكون مع ذلك من " الشرفاء "، غير قائد ينتسب إلى جيوش
مخ ۱۴
الفاطميين، إذ ليس غير هذه الجيوش كان معنيا في ذلك الحين بقتال البيزنطيين... فهل هذا أيضا يلقي ضوءا على رأي الأستاذ مارون عبود في " فاطمية " أبي العلاء؟. " انتهى ما ذكره الدكتور حسين مروة ".
ونحن هنا نريد ان نجلو شكوك الدكتور مروة، ونوضح ما اعتبره غموضا في حقيقة المقاتلين الذين تغنى ببطولاتهم أبو العلاء ، ونؤكد له ان من تراءى له انهم قواد الجيوش الفاطمية، هم بالفعل ابطال تلك المعارك التي أثارت شاعرية أبي العلاء، وانه يستطيع ان يكون على يقين بأنهم هم لا غيرهم الذين نظمت فيهم الأشعار العلائية.
وذلك بعرض الحقائق التاريخية التالية:
استطاع البيزنطيون بعد موت سيف الدولة الحمداني وضعف الدولة الحمدانية في عهد خلفائه ان يستولوا على كثير من المدن في شمال بلاد الشام ولما وصل الفاطميون إلى مصر وركزوا دولتهم فيها وثبتوا دعائمها في عهد المعز لدين الله سنة 358 ه (969 م) كان أكبر همهم استرجاع ما استولى عليه البيزنطيون من المدن الشامية، وحاولوا أول الأمر اجلاء البيزنطيين عن أنطاكية ولكن القوى البيزنطية كانت أكثر كثافة من قواتهم الزاحفة إليها، فان البيزنطيين عرفوا خطورة سقوط أنطاكية لذلك حشدوا للدفاع عنها قوى كانت أعظم مما قدر الفاطميون ففشل الجيش الفاطمي في استردادها، واغتنم الإمبراطور البيزنطي حنا زيمسكس هذا الفشل وتقدم بجيوشه سنة 975 م من أنطاكية إلى حمص ومنها إلى بعلبك، وخافت دمشق مغبة مقاومته فخضعت ودفعت له الجزية، كما سلمت له طبريا وقيسارية، وكان مصمما على الوصول إلى القدس، وهكذا يسبق هذا الإمبراطور البيزنطي الصليبيين في التفكير باستعادة القدس من المسلمين.
ويبدو جليا من استعراض الاحداث ان الفاطميين أدركوا نية حنا زيمسكس وصمدوا له فتراجع عن محاولة الوصول إلى القدس وغير هدفه واتجه إلى الساحل مغتنما فرصة حشد الجيوش الفاطمية في طريق القدس، فاستطاع الاستيلاء على صيدا وبيروت، ثم اتجه إلى طرابلس، واسرع الفاطميون لصده والوقوف في طريق زحفه إليها، وعضدوا جيشهم البري المدافع عنها بأسطولهم الحربي، واستطاعوا الحاق الهزيمة بالإمبراطور البيزنطي ورده عن طرابلس وملاحقته حتى أخلى بيروت وصيدا وكل ما استولى عليه من بلدان الساحل، وظلت الضربات الفاطمية تلاحقه حتى ردته إلى أنطاكية ثم عاد من أنطاكية إلى عاصمته القسطنطينية مقهورا حيث توفي فيها في أوائل سنة 976 م.
وتمر السنون والفاطميون صامدون للبيزنطيين يدفعونهم عن بلاد الشام حتى كانت السنة 377 ه 987 م فرأى الإمبراطور باسيل الثاني عقم مقاتلة الفاطميين، وان لا امل بالنصر عليهم فأرسل إلى الخليفة الفاطمي (العزيز) في القاهرة وفدا يحمل هدية ويطلب انهاء الحرب، وكانت الهدية فيما يروي المؤرخون تحتوي على ثمان وعشرين صينية من الذهب، فلم يعارض (العزيز) في عقد الهدنة مع البيزنطيين ما داموا قد تخلوا عن أطماعهم، فعقدت هدنة مدتها سبع سنوات بشروط كلها في مصلحة الفاطميين.
ولكن الفاطميين مع الأسف كانوا لا يواجهون البيزنطيين وحدهم بل كانوا يواجهون الفتن التي يثيرها عليهم أبناء قومهم مستعينين عليهم بالبيزنطيين، كهذا الذي فعله أمير حلب سنة 381 ه مما أغرى باسيل الثاني بنقض الهدنة فزحف إلى بلاد الشام فالتقى به الفاطميون على ضفاف نهر العاصي فهزموه وردوه من حيث جاء، والذي جرى سنة 388 حين انجد باسيل الثاني نفسه المستنجدين به في ثورتهم على الفاطميين بقيادة (علاقة) في صور، وانتصر الفاطميون على البيزنطيين والمستنجدين بهم في معارك برية وبحرية والذي جرى في (افامية) (وهي التي ذكرها أبو العلاء في شعره) حين استنجد حسان بن مفرج الطائي بالبيزنطيين على الفاطميين حيث قامت فيها المعارك سجالا.
والواقع اننا لا نريد هنا التبسط في الحديث عن تاريخ المعارك بين البيزنطيين والفاطميين وجهاد الفاطميين في ردهم عن بلاد الشام وعن القدس بخاصة، فذلك له مكان آخر، ولكننا نريد ان نشير مجرد إشارة إلى تلك المعارك التي استثارت شاعرية أبي العلاء المعري وبعثت فيه روح الاعتزاز بالمناضلين الفاطميين وبطولاتهم في الدفاع عن الوطن العربي الاسلامي.
أحمد بن منير الطرابلسي مرت ترجمته في المجلد الثالث الصفحة 179 ونزيد عليها هنا ما يأتي:
العلاقة بينه وبين القيسراني لم يكن بدعا أن تنتج الحروب الصليبية في أوروبا أدبا ملحميا مستوحى مما حفلت به تلك الحروب من أحداث وخطوب، ولم يكن عجبا أن نرى في الآداب اللاتينية سواء في لغة الشمال أو لغة الجنوب ملاحم لأمثال جفري اللومباردي ويوسف اكستر وجنتر باسل وكذلك مثل أنشودة أنطاكية البروفنسالية التي ألفها غريغوري بشاده، وقصيدة بودريه وأنشودة غرايندور دوياي، وغيرها.
ولكن كان العجيب أن لا تخلق تلك الحروب الملاحم العربية، لا في حال تدفق الجيوش الفرنجية وانتصاراتها وما رافقها من فجائع وأهوال، وما عاناه المسلمون فيها من هوان وانكسار. ولا في حال انحسار المد الفرنجي واجتماع القوى الوطنية مستخلصة الوطن منه دفعة وراء دفعة حتى انتهت بتلاشيه.
وفيما عدا قليلا من القصائد والمقطوعات أعرب فيها أصحابها عن أحزانهم أيام الهزائم وأفراحهم أيام الانتصارات، فان تلك الحروب لم تنل ما كان يجب أن تناله من الشعر العربي، ولا أوجدت الملحمة في أدبنا، وكانت بذلك جديرة.
على انني وأنا اقرأ وقائع عماد الدين زنكي ثم وقائع ابنه نور الدين محمود مع الصليبيين، حين بدأ الأول مهاجمة الإفرنج، فكانت انتفاضته أول انتفاضة في وجه المحتلين بعد نوم طويل على الضيم.
انني وأنا اقرأ ذلك وجدت شعرا عربيا يسجل تلك الوقائع ويتغنى بها معبرا عما كانت تنضح به نفوس المسلمين من الابتهاج والحبور، وما كانت تفيض به بيئاتهم من الاستبشار والسرور.
وإذا كان مما يقلل من قيمة أصحاب ذلك الشعر في أعيننا أنهم لم ينظموا شعرهم ابتداء، ولا كان بنتيجة تحسس بالشعور العام، ولا تعبيرا عن حقيقة أمورهم، بل جاء في معرض المدح والاسترزاق. فإنهم وهم يعيشون في كنف عماد الدين ونور الدين ويحيون في سلطانيهما، كان لا بد لهم من أن يمدحوهما استدرارا للعطاء، وسواء أ كان عماد الدين ونور الدين غازيين منتصرين، أو متخاذلين متواكلين فإنهم سيمدحونهما حتما. إذا كان الأمر كذلك فان حسن حظهما جعل مدحهم غير منكور ولا ممجوج، وجعلهم دون أن يقصدوا لسان الحياة الاسلامية في تلك الفترة، فعبروا عن مشاعر الأمة ونطقوا بلسان الأحداث فاكتسبوا بذلك خلودا لم يكن ليتأتى لهم لو أن عماد الدين ونور الدين لم يكونا مدبري تلك الوقائع وقائدي تلك المعامع.
وأبرز شعراء تلك الفترة شاعران لقبهما معاصروهما شاعري الشام هما
مخ ۱۵
محمد بن نصر القيسراني وأحمد بن منير الطرابلسي، ولهما في عماد الدين ونور الدين مدائح تقليدية ككل مدائح الشعراء في الأمراء، ليست هي التي تعنينا في حديثنا هذا، وانما الذي يعنينا هو تلك القصائد التي نظماها في الانتصارات فكانت مظاهر للملحمة العربية جديرة بالعناية والإذاعة.
والقيسراني مولود سنة 478 ومتوفى سنة 548 ه وهو منسوب إلى مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني، ولم يكن الشعر وحده الصفة الغالبة عليه، بل يبدو أنه كان على مشاركة حسنة ببعض العلوم حتى أن ابن عساكر سمع منه وذكره بين من ذكرهم من شيوخه. وهو ليس من موضوع كتابنا وذكرناه لعلاقته بابن منير.
والطرابلسي مولود سنة 473 ومتوفى سنة 548 ه وهو منسوب إلى طرابلس على الساحل اللبناني وهي المدينة التي عرفت في التاريخ الاسلامي باسم طرابلس الشام تمييزا لها عن طرابلس الإفريقية التي عرفت باسم طرابلس الغرب.
ونحن نرى من ذلك ان الشاعرين من منطقتين نكبتا بالاحتلال الصليبي وسقطتا في قبضة الفاتحين، فقد عانت قيسارية كما عانت طرابلس مرارة الذل، وهوان الفتح، ولكننا لا نرى في شعر الشاعرين ما يدل على تحسسهما بما كان يشكو منه بلداهما، وهذا يدلنا على أن الشاعرين سيقا إلى شعر الكفاح سوقا، ولما لم يكن لوقائع عماد الدين ثم لوقائع نور الدين صلة لا بقيسارية ولا بطرابلس بل كانت البلدتان بعيدتين عن ميدان الصراع، لذلك لم يذكرهما الشاعران ولا استجاشتهما همومهما، بل اقتصر الشاعران على ما باشره القائدان من المعارك في المناطق النائية لأن فيها المادة الوافرة لموضوع المديح، وهو الأصل في نظمهما هذا الشعر.
ولم يكن هذان الشاعران متوافقين متصافيين دائما، بل كثيرا ما تهاجيا وتشاتما، وفي أثناء ذلك قد تقوم بينهما مطارحات طريفة.
وكان الوضع قبل نهوض عماد الدين وضعا مذلا سيطر فيه الإفرنج سيطرة كاملة على البلاد الممتدة من ماردين إلى عريش مصر. ولم يكن ناجيا من ربقة الاحتلال في هذا المدى الواسع إلا المدن الأربع: حلب وحماه وحمص ودمشق.
على أن هذه المدن إذا كانت قد نجت من الاحتلال فإنها لم تنج من الهوان. فقد كان الفرنج يرسلون وفودهم إليها فارضة ما تشاء من الفروض، فضلا عما كانت عليه بقية المدن والقرى. ولعل مما يصور وضع البلاد يومذاك ما قاله صاحب كتاب (الروضتين ): " وكان الفرنج قد اتسعت بلادهم وكثرت أجنادهم وعظمت هيبتهم وزادت صولتهم وامتدت إلى بلاد المسلمين أيديهم وضعف أهلها عن كف عاديهم وتتابعت غزواتهم وساموا المسلمين سوء العذاب واستطار في البلاد شر شرهم ".
ثم يزيد في وصف الحال قائلا: وكانت سراياهم تبلغ من ديار بكر إلى آمد ومن الجزيرة إلى نصيبين ورأس عين، أما أهل الرقة فقد كانوا معهم في ذل وهوان، وانقطعت الطرق إلى دمشق إلا على الرحبة والبر، ثم زاد الأمر وعظم الشر حتى جعلوا على أهل كل بلد جاورهم خراجا وأتاوة يأخذونها منهم ليكفوا أذيتهم عنهم ".
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما كان عليه المسلمون من تشاحن وتقاتل وصراع مما كان يحول دون النهوض نهوضا يرد للأمة كرامتها وحريتها.
هذا هو حال الوطن حين كان قد استطال امر عماد الدين زنكي ورسخ سلطانه فكان أن هب لمناجزة المحتلين ومقارعتهم، ثم أخذ ينتصر عليهم انتصارات متتابعة، إذا كانت في أول أمرها هينة النتائج فإنها كانت مفتاحا للوثوب، كهذا الذي جرى حين ردهم عن حصن (شيزر) وحين فتح حصن (الأثارب) وحصن (عرقة) وحصن (بارين) ثم ضرب ضربته الكبرى بفتح مدينة (الرها).
وكانت الرها (ايدسا القديمة) محكومة من الأرمن، وبعد استيلاء الفرنج في حملتهم الأولى التي تلت حملة بطرس الناسك، على مدينة (نيقيا) سنة 1097 م ثم مدينة دوريلايوم (اسكي شهر) من السلجوقيين انفصل بلدوين اللوريني عن الجيش الصليبي الرئيسي وتقدم نحو الرها واستولى عليها بالاتفاق مع حاكمها الأرمني (توروس) سنة 1098 وانشا فيها أولى الدويلات اللاتينية. ومنها تقدم الفرنج إلى سميساط وسروج والبيرة وغيرها، فقامت لهم امارة في حوض الفرات الأعلى من مرعش في الشمال إلى منبج في الجنوب غربي الفرات، ثم تمضي شرقي الفرات فتشمل بهسنا والرها وسروج. وكان تمركز بلدوين في الرها مما أعاق القائد السلجوقي (كربوقا) أمير الموصل عن الوصول في الوقت المفيد لنجدة أنطاكية التي كان يحاصرها الجيش الصليبي الرئيسي. ثم كان قيام هذه الامارة تهديدا متواصلا للموصل وما يتبعها مثل نصيبين وماردين وحران، وكذلك لديار بكر وما إليها على أعالي نهر دجلة، بل كان تهديدا أيضا لشمال العراق كله.
وإذا كانت الرها أول دولة لاتينية تقوم، فقد كانت كذلك أول دولة لاتينية تسقط. وبين قيامها وسقوطها ست وأربعون سنة، إذ كان سقوطها بيد عماد الدين، عام 1114 م بعد حصار دام أربعة أسابيع.
وكان لفتح الرها وقع عظيم هز النفوس بالبهجة والغبطة، ولم يكن أجدر من الشاعرين أن يكونا صدى لما كان يعتمل في نفوس المسلمين من السرور وما كانت تجيش به قلوبهم من الأمال العراض. لذلك رأيناهما يسجلان هذا الفتح بشعر يمكن أن نقول أن فيه ملامح الملاحم وجوهرها، فان القيسراني يقول فيما يقول من قصيدة طويلة:
مدينة افك منذ خمسين حجة * يفل حديد الهند عنها حداده تفوت مدى الابصار حتى لو أنها * ترقت إليه خان طرفا سواده وجامحة عز الملوك قيادها * إلى أن ثناها من يعز قياده وكانت الرها حقيقة بهذا الوصف لأنها ظلت طوال ما يقرب من خمسين سنة، منذ أن عجز كربوقا عن فتحها وهو في طريقه لانقاذ أنطاكية، فأوقفه حصارها ثلاثة أسابيع بدون جدوى، وكانت هذه الأسابيع كافية لوصوله إلى أنطاكية والقضاء على الجيش الصليبي المنهوك الجائع المحطم النفس، لو أنه لم يتوقف عند الرها فيتيح بذلك للصليبيين استعادة معنوياتهم ودخول أنطاكية فلا يصل كربوقا إلا بعد سقوطها، ثم يعجز بعد ذلك عن استردادها فيكون فتحها فاتحة الشرور ومبدأ الهزائم. ظلت الرها طوال تلك المدة منيعة ومصدرا للشر، ومن هنا أوحت للقيسراني بما أوحت من وصفها ثم بتصوير الشعور الاسلامي بالانتصار عليها.
وعن ثغر هذا النصر فلتأخذ الظبا * سناها وان فات العيون اتقاده
مخ ۱۶
وفتح حديث في السماع حديثه * شهي إلى يوم المعاد معاده أراح قلوبا طرن من وكناتها * عليها فوافى كل صدر فؤاده فيا ظفرا عم البلاد صلاحه * بمن كان قد عم البلاد فساده ثم بما أحيا هذا النصر من الآمال البعيدة:
ولله عزم ماء " سيحان " ورده * وروضة " قسطنطينية " مستراده ومطلع هذه القصيدة:
هو السيف لا يعنيك إلا جلاده * وهل طوق الأملاك إلا نجاده وهو مطلع خارج عن الأسلوب التقليدي الذي كان يفتتح القصائد بالغزل، وانما هو مطلع مستمد من روح الملحمة متأثر بجوهرها، وهكذا بقية المديح في القصيدة، فقد خرج عن كونه تعدادا لفضائل ابتذل تعدادها في كل ممدوح، بل هو وصف لكفاح قاده الممدوح و حقق الظفر فيه، وتعبير عن آمال مكبوتة، وهذا كله يعود إلى جذور الملاحم و أصولها.
وهذا عين ما نراه عند ابن منير الذي قال من قصيدة طويلة:
والرها ان لم تكن إلا الرها * لكفت حسما لشك الممترين هم " قسطنطين " ان يفرعها * ومضى لم يحومنها قسط طين ولكم من ملك حاولها * فتحلى الحين وشما في الجبين ثم ينتقل إلى الحديث عن نتائج فتحها وأثر هذا الفتح عند الفريقين:
ان حمت (مصر) فقد قام لها * واضح البرهان ان (الصين) صين برنست رأس " برنس " (1) ذلة * بعد ما جاست حوايا " جوسلين " (2) " وسروج " مذ وعت اسراجه * فرقت جماعها عنها عضين تلك اقفال رماها الله من * عزمه الماضي بخير الفاتحين سل بها " حران " كم حرى سقت * بردا من يوم ردت " ماردين " سمطت أمس " سميساط " بها * نظم جيش مبهج للناظرين وغدا يلقى على " القدس " لها * كلكل يدرسها درس الدرين ويموت عماد الدين اغتيالا ويليه ابنه نور الدين ويستطيع السيطرة على رقعة ممتدة من أعالي دجلة شمالا إلى منابع الأردن جنوبا، ويكون الشاعران له كما كانا لأبيه، ويصطدم نور الدين بالفرنج ويفوز عليهم في معركة " أنب " ويقتل " البرنس " صاحب أنطاكية في المعركة، وتتحقق بشارة ابن منير المتقدمة " ويتبرنس " رأس " البرنس " لا بالذلة وحدها بل بالمنية، وهكذا نرى كم كان ذلك الشعر صدى للوجدان العربي والضمير الاسلامي في تخيل الآمال البعيدة والتلهف على المطامح القصية. فقد كان " البرنس " كما يقول ابن الأثير:
" عاتيا من عتاة الفرنج " وكان الخلاص منه احدى أكبر الأمنيات.
وقد رأينا كيف ان القيسراني كان يلوح في قصيدته الدالية لا بالخلاص في الوطن فحسب بل بالنفاذ حتى إلى القسطنطينية:
ولله عزم ماء سيحان ورده وروضة قسطنطينية مستراده كما لوح ابن منير بالنصر على البرنس ثم بالنفاذ إلى القدس:
وغدا يلقي على القدس لها * كلكل يدرسها درس الدرين وتتالت بعد الرها المراحل المرجوة مرحلة مرحلة وستظل تتوالى ولكن دون ان يقدر للشاعرين أن يعيشا ليريا تواليها، إذ انهما ماتا قبل نور الدين.
واستأثرت معركة أنب ومقتل البرنس بشاعرية الشاعرين وقفزت بالمطامح من القدس والقسطنطينية إلى روما نفسها فقال لقيسراني من قصيدة طويلة جرى فيها على ما جرى عليه في القصيدة الدالية من الافتتاح بالشعر العسكري لا الغزلي:
مذي العزائم لا ما تدعي القضب * وذي المكارم لا ما قالت الكتب وهذه الهمم اللاتي متى خطبت * تعثرت خلفها الأشعار والخطب وفيها يقول:
أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة * فؤاد رومية الكبرى لها يجب قل للطغاة وان صمت مسامعها * قولا لصم القنا في ذكره أرب أغركم خدعة الآمال ظنكم * كم اسلم الجهل ظنا غره الكذب أجسادهم في ثياب من دمائهم * مسلوبة، وكأن القوم ما سلبوا انباء ملحمة لو أنها ذكرت * فيما مضى نسيت أيامها العرب فملكوا سلب " الابرنس " قاتله * وهل له غير " أنطاكية " سلب فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لجب * يوليك أقصى المنى فالقدس مرتقب ونحن نلمس في هذا الشعر شيئا فوق المدح. اننا نلمس احساسا متأججا يثيره الذل الذي استحال عزا والهوان الذي عاد فتحا، اننا نسمع أهازيج النصر راعدة مدوية وهتافات الظفر صارخة متوعدة تزري بالغاصبين وتدل إلى هلعهم وتتغنى بالراجفة التي وجب لها حتى قلب (رومية الكبرى) القصية، ويجئ ذكر روما هنا طبيعيا سائغا، لا نبو فيه ولا دلالة تبجح فارع مستكره.
ثم هذه الإشارة إلى الخطوة التالية المأمولة إلى (سلب الابرنس)، هذا السلب الذي يسمو عن المادة ومغرياتها، ان السلب في هذا الصراع الرهيب هو أغلى ما ملك (البرنس) وقوم البرنس: " هو أنطاكية " التي كان سقوطها فاتحة السقوط العام وسيكون نهوضها فاتحة النهوض العام ثم الطريق إلى المسجد الأقصى بالجيش الهادر المزمجر ذي اللجب، فالقدس ترتقب أهلها وتنتظرهم.
اننا نرى في هذا الشعر، الشعب كله ينطلق في صوت واحد وشعار واحد: إلى الأمام، إلى أنطاكية، إلى القدس...
ينطلق بذلك لا غرورا وغباء، وجهلا، بل يقينا وعقلا وتفهما.
ويقول ابن منير من قصيدة طويلة افتتحها كزميله، لا بالغزل بل بما يناسب حالة الكفاح التي كانت فيها البلاد:
أقوى الضلال وأقفرت عرصاته * وعلا الهدى وتبلجت قسماته فتح تعممت السماء بفخره * وهفت على أغصانها عذباته وسقى " البرنس " وقد تبرنس ذلة * بالروح ممقر ما جنت غدراته تمشي القناة برأسه وهو الذي * نظمت مدار النيرين قناته وتتابع الفتوح ويلي النصر النصر فينطلق ابن منير حاملا في قصيدة واحدة قصص الأحداث متنقلا من مكان إلى مكان:
أعدت بعصرك هذا الأنيق * فتوح النبي واعصارها فجددت اسلام " سلمانها " * وعمر جدك " عمارها "
مخ ۱۷
وما يوم " أنب " الا كيسك * بل طال بالبوع أشبارها ولما هببت " ببصرى " سمكت * باهباء خيلك ابصارها ويوم على الجون " جون السراة * عز فسعطها عارها صدمت " عريمتها " صدمة * أذابت مع الماء أحجارها وفي " تل باتر " باشرتهم * بزحف تسور أسوارها وان دالكتهم " دلوك " فقد * شددت فصدقت اخبارها واستمر نور الدين في صراعه مع الصليبيين واستمر الشاعران في تسجيل انتصارات نور الدين مما يمكن ان يعد مجموعه ملحمة من الملاحم العربية و تاريخا شعريا لفترة معينة من فترات الحروب الصليبية.
الشاه إسماعيل الأول الصفوي مرت ترجمته في الصفحة 321 من المجلد الثالث ونضيف إليها هنا ما يلي:
الشيخ قطب الدين النهروالي الحنفي الذي ورد ذكره خلال ترجمة إسماعيل الصفوي هو مؤرخ معاصر لتلك الأحداث، وبصرف النظر عما تتضمنه كتابته من التعصب المذهبي الأعمى الذميم الذي لا يتورع معه عن الاختلاق والكذب - بالرغم من ذلك - فإننا لا يمكن أن نتجاهل بعض ما ذكره من أخبار، كان لا بد لنا من وضعها بين يدي القارئ. فقد ألف الشيخ المذكور كتابا سماه (الإعلام بإعلام بيت الله الحرام) تطرق فيه إلى ذكر السلطان سليم العثماني والشاه إسماعيل الصفوي ومنه نأخذ ما يلي، مع العلم أن المؤلف المذكور انتهى من كتابة كتابه سنة 922 وأن وفاة السلطان سليم كانت سنة 936 ووفاة الشاه إسماعيل كانت سنة 930 أي أن بين تاريخ انتهاء تأليف الكتاب ووفاة السلطان سليم أربع عشرة سنة، وبين وفاة الشاه إسماعيل ثمان سنوات.
قال النهروالي عن الشاه إسماعيل:
هو شاه إسماعيل بن الشيخ حيدر بن الشيخ جنيد بن الشيخ إبراهيم بن سلطان خواجا شيخ علي بن الشيخ صدر الدين موسى بن الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي، وإليه ينسب أولاده فيقال لهم: الصفويون. وكان الشيخ صفي الدين صاحب زاوية في أردبيل وله سلسلة من المشايخ، أخذ عن الشيخ زاهد الكيلاني وينتهي بوسايط إلى الشيخ الإمام أحمد الغزالي. وتوفي الشيخ صفي الدين في سنة 735 وهو أول من ظهر منهم بطريق المشيخة والتصوف، وأول ما اختار سكنى أردبيل، وبعد موته جلس في مكانه ولده الشيخ صدر الدين موسى، وكانت السلاطين تعتقد فيه وتزوره، وممن زاره والتمس بركته تيمور لما عاد من الروم وسأله أن يطلب منه شيئا، فقال له: أطلب منك أن تطلق كل من أخذته من الروم سركنا، فاجابه إلى سؤاله وأطلق السركن جميعهم، فصار أهل الروم (1) يعتقدون الشيخ صدر الدين وجميع المشايخ الأردبيليين من ذريته إلى الآن، وحج ولده سلطان خواجا علي وزار النبي ص وتوجه إلى زيارة بيت المقدس وتوفي هناك وقبره معروف في بيت المقدس. وكان ممن يعتقده ميرزا شاه رخ بن تيمور ويعظمه. فلما جلس الشيخ جنيد مكان والده في الزاوية بأردبيل كثر مريدوه وأتباعه في أردبيل فتوهم منهم صاحب آذربيجان يومئذ وهو السلطان جهاشان بن قرا يوسف التركماني من طايفة (قره قوينلو فأخرجهم من أردبيل، فتوجه الشيخ جنيد مع بعض مريديه إلى ديار بكر وتفرق عنه الباقون. وكان من أمراء ديار بكر يومئذ عثمان بيك بن قتلق بيك بن علي بيك من طائفة (آق قوينلو) جد أوزن حسن بيك البابندري وهو أول من تسلطن من طائفة آق قوينلو، وولي السلطنة منهم تسعة أنفس، ومدة ملكهم اثنتان وأربعون سنة وأخذوا ملك فارس من طائفة قره قوينلو، وأول سلاطينهم قره يوسف بن قره محمد التركماني ومدة سلطنتهم ثلاث وستون سنة.
وانقرض ملكهم على يد أوزون حسن بيك المذكور في شوال سنة 873 وكان أوزون حسن بيك ملكا شجاعا مقداما مطاعا مظفرا في حروبه ميمونا في نزوله وركوبه، إلا أنه وقع بينه وبين السلطان محمد بن السلطان مراد خان حرب عظيم في بايبرت فانكسر أوزون حسن بيك وقتل ولده زنيل بيك وهرب هو وسلم من القتل وعاد إلى أذربيجان وملك فارس والعراقين، فلما التجأ الشيخ جنيد إلى طائفة آق قوينلو صاهره أوزون حسن بيك وزوجه بنته خديجة بيگم فولدت له الشيخ حيدر، ولما استولى أوزون على البلاد وطرد عنها ملوك قره قوينلو وأضعفهم عاد الشيخ جنيد مع ولده الشيخ حيدر إلى أردبيل وكثر مريدوه وأتباعه وتقوى بأوزون حسن بيك لأنه صهره، فلما توفي أوزون حسن بيك ولي موضعه ولده السلطان خليل ستة أشهر ثم ولده الثاني السلطان يعقوب فزوج بنته حليمة بيگم من الشيخ حيدر فولدت له شاه إسماعيل في يوم الثلاثاء الخامس و العشرين من رجب سنة 892 وكان على يده هلاك ملوك العجم طايفة آق قوينلو وقره قوينلو وغيرهم من سلاطين العجم كما هو معروف مشهور. وكان الشيخ جنيد جمع طايفة من مريديه وقصد قتال كرجستان ليكون من المجاهدين في سبيل الله فتوهم منه سلطان شروان أمير خليل الله شروان شاه فخرج إلى قتاله فانكسر الشيخ جنيد وقتل وتفرق مريدوه، ثم اجتمعوا بعد مدة على الشيخ حيدر وحسنوا له الجهاد والغزو في حدود كرجستان وجعلوا لهم رماحا من أعواد الشجر وركبوا في كل عود سنانا من حديد وتسلحوا بذلك وألبسهم الشيخ حيدر تاجا أحمر من الجوخ فسماهم الناس (قزلباش)، وهو أول من ألبس التاج الأحمر لأتباعه، واجتمع عليه خلق كثير، فأرسل شروان شاه إلى السلطان يعقوب بن أوزون حسن يخوفه من خروج الشيخ حيدر على هذه الصفة، فأرسل إليه أميرا من أمرائه اسمه سليمان بك بأربعة آلاف نفر من العسكر وأمره أن يمنعهم من هذه الجمعية فإن لم يمتنعوا أذن له أن يقاتلهم، فمضى إلى الشيخ حيدر ومنعه من هذه الجمعية فما أطاعه فاتفق مع شروان شاه فقاتلاه ومن معه فقتل الشيخ حيدر وأسر ولد شاه إسماعيل وهو طفل وأسر معه إخوانه وجماعته، وجاء بهم سليمان بك إلى السلطان يعقوب فأرسل بهم إلى قاسم بك الفرناك وكان حاكم شيراز من قبل السلطان يعقوب وأمره أن يحبسهم في قلعة إصطخر فحبسهم بها واستمروا محبوسين فيها إلى أن توفي السلطان يعقوب في سنة 896 وتولى بعده السلطان رستم ونازعه في سلطنته إخوانه وتفرقت المملكة واستقل في كل قطر واحد من أولاد السلطان يعقوب، فهرب أولاد الشيخ حيدر إلى لاهيجان من بلاد كيلان وخرج من إخوان شاه إسماعيل خواجة شاه علي بن الشيخ جنيد وجمع عسكرا من مريدي والده وقاتل بهم فقتل في أيام السلطان رستم بن يعقوب. ثم توفي السلطان رستم وتولى مكانه مراد بن يعقوب وألوند بيك ابن عمه. وكان شاه إسماعيل في لاهجان في بيت صائغ يقال له نجم زرگر، وبلاد لاهيجان فيها كثير من الفرق الضالة كالرافضة والحروفية والزيدية (2) وغيرهم فتعلم منهم شاه إسماعيل في صغره مذهب
مخ ۱۸
الرفض، فان آباءه كان شعارهم مذهب السنة السنية وكانوا مطيعين منقادين لسنة رسول الله ص ولم يظهر الرفض غير شاه إسماعيل. وتطلبه من أمراء ألوند بيك جماعة وطلبوه من سلطان لاهيجان فأبى أن يسلمه لهم فأنكر وحلف لهم أنه ما هو عندي وورى في يمينه، وكان مختفيا في بيت نجم زركر، وكان يأتيه مريدو والده خفية ويأتونه بالنذير، ويعتقدون فيه ويطوفون بالبيت الذي هو ساكن فيه إلى أن أراد الله بما أراد وكثرت داعية الفساد واختلفت أحوال البلاد باختلاف السلاطين وكثرة العناد بين العباد، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، وحينئذ كثر أتباع شاه إسماعيل فخرج هو ومن معه من لاهيجان وأظهر الخروج لأخذ ثار والده وجده في أواخر سنة 905 وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقصد مملكة الشروان لقتال شروان شاه قاتل أبيه وجده، وكلما سار منزلا كثر عليه داعية الفساد واجتمع عليه عسكر كثير إلى أن وصل إلى بلاد شروان، فخرج لمقاتلته شروان شاه بعساكره وقاتلهم وقاتلوه فانهزم عسكر شروان وأسر شروان شاه وأتوا به إلى شاه إسماعيل أسيرا فأمر أن يضعوه في قدر كبير ويطبخوه ويألوه ففعلوا كما أمر وأكلوه (1) وكان ذلك أول فتوحه، ثم توجه إلى قتال ألوند بيك فقاتله وانهزم منه واستولى على خزائنه وقسمها في عسكره وصار يقتل من ظفر به قتلا ذريعا ولا يمسك شيئا من الخزائن بل يفرقها في الحال، ثم قاتل مراد بيك ابن السلطان يعقوب فهزمه في الحال وأخذ خزائنه وفرقها على عسكره، ثم صار لا يتوجه إلى بلاد إلا يفتحها ويقتل جميع من فيها وينهب أموالهم ويفرقها إلى أن ملك تبريز وأذربيجان وبغداد وعراق العرب وعراق العجم وخراسان. (انتهى كلام النهروالي).
وبعد هذا الكلام يسترسل في الاختلاق الباعث له عليه تعصبه المذهبي، مما لا صلة له بموضوعنا.
والمهم في هذا القول هو ما ذكره من أن آباء الشاه إسماعيل لم يكونوا شيعة، وأنه هو المتشيع الأول فيهم، وأن شيعة لاهيجان هم الذين لقنوه التشيع. على أن هذا يناقض ما ذكره من أن أباه حيدر هو الذي ألبس أتباعه التاج الأحمر فسماهم الناس (قزلباش). ومعلوم أن هذا التاج كان مقسما من قمته إلى أطرافه اثنتي عشرة شقة تشير إلى علي وأبنائه الاثني عشر ع.
وقد ظل هذا الاسم (قزلباش) وقتا طويلا يطلق في تركيا على الشيعة، ولا يزال حتى الآن يطلق في أفغانستان على الشيعة الإيراني الأصل. والنهروالي نفسه يسمي الإيرانيين بهذا الاسم حين يتحدث بعد ذلك عن غزو السلطان سليمان لإيران والعراق ثم يتحدث النهروالي عن الصدام بين الشاه إسماعيل والسلطان سليم العثماني فيقول:
فلما وصلت أخباره (أي الشاه إسماعيل) إلى السلطان سليم خان تحركت فيه قوة العصبية، وأقدم على نصر السنة الشريفة السنية، وعد هذا القتال من أعظم الجهاد، وقصد أن يمحو من العالم هذه الفتنة وهذا الفساد، وينصر مذهب أهل السنة الحنيفية على مذهب أهل البدع والإلحاد، ويأبى الله إلا ما أراده، فتهيأ السلطان سليم بخيله ورجله وعساكره المنصورة ورحله، وسار لقتاله، وأقدم على جلاده وجداله.
ثم يتحدث بعد ذلك عن معركة جالديران وانتصار السلطان سليم ودخوله مدينة تبريز عاصمة الشاه إسماعيل، ثم عن رحيله عنها قائلا:
وأراد أن يقيم في تبريز للاستيلاء على إقليم العجم والتمكن من تلك البلاد على الوجه الأتم، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط واستيلاء الغلاء بحيث بيعت العليقة بمايتي درهم وبيع الرغيف الخبز بمائة درهم، وسبب ذلك أن القوافل التي كان أعدها السلطان سليم لتتبعه بالمبرة والعليق والمؤن تخلفت عنه في محل الاحتياج إليها، وما وجدوا في تبريز شيئا من المأكولات والحبوب لأن الشاه إسماعيل عند انكساره أمر باحراق أجران الحب والشعير وغير ذلك، فاضطر السلطان سليم خان إلى العود من تبريز إلى بلاد الروم وتركها خاوية على عروشها.
ثم تفحص عن سبب انقطاع القوافل عنه فأخبر أن سبب ذلك سلطان مصر قانصوه الغوري فإنه كان بينه وبين شاه إسماعيل محبة ومودة ومراسلات بحيث أن كان السلطان قانصوه الغوري يتهم بالرفض في عقيدته بسبب ذلك. فلما ظهر للسلطان سليم خان أن الغوري هو الذي أمر بقطع القوافل عنه صمم على قتل السلطان الغوري أولا وبعد الاستيلاء عليه وعلى بلاده يتوجه إلى قتال شاه إسماعيل ثانيا. (انتهى كلام النهروالي).
ومن هذا الكلام تبدو لنا حقيقتان: أولا - أن الشائع في ذلك العصر أن حرب السلطان سليم كانت حربا مذهبية، يراد بها القضاء على الدولة الشيعية الناشئة في مهدها قبل أن تتأصل جذورها ويتركز أمرها وينتشر سلطانها.
ثانيا إن السلطان قانصوه الغوري قد حرم السلطان سليم من قطف ثمرة انتصاره الحاسم في جالديران، بل أحال ذلك النصر إلى هزيمة اضطر معها السلطان سليم إلى العودة إلى بلاده خائبا من القضاء على الدولة الصفوية، مما جعل تلك الدولة تعاود نشاطها، ويعود الشاه إسماعيل ملكا مظفرا يفتح البلاد ويوسع ملكه وينشر سلطانه.
على أن اللافت للنظر هو قول هذا المؤرخ أن قانصوه الغوري كان يتهم من معاصريه بالتشيع، بسبب ما كان بينه وبين الشاه إسماعيل من قبل من محبة ومودة ومراسلات.
وبذلك نفسر حملة هذا المؤرخ على الغوري وشماتته به ، حملة وشماتة لا تصدران إلا من قلب مملوء بالحقد المذهبي الذميم. وكذلك ابتهاجه بانتصارات السلطان سليم وإشادته به، وتغاضيه عن مجازره، ثم ترحمه عليه بعد موته.
وفي موضع آخر يصف ظهور الشاه إسماعيل وتحويله إيران إلى التشيع قائلا::
وظهر في أيامه (أي السلطان بايزيد والد السلطان سليم) الشاه إسماعيل في سنة 905 وكان له ظهور عجيب واستيلاء على ملوك العجم يعد من الأعاجيب، فتك في البلاد وسفك دماء العباد وأظهر مذهب الرفض والإلحاد وغير اعتقاد العجم إلى الانحلال والفساد بعد الصلاح والسواد وأخرب ممالك العجم وأزال من أهلها حسن الاعتقاد والله يفعل في ملكه ما أراد. وتلك الفتنة باقية إلى الآن في جميع تلك البلاد.
أفضل الدين الكاشاني المعروف ببابا أفضل المرقي ورد ذكره في المجلد الثالث الصفحة 470 وقد تحدث عنه الدكتور محمود محمد الخضيري بما يلي:
إني مخصص هذا المقال لفيلسوف إسلامي إيراني فذ. جمع إلى درايته بالفلسفة وإحاطته بالكثير من فنونها، النبوغ والتفوق في الشعر. هذا الفيلسوف الشاعر هو أفضل الدين محمد الكاشي أو الكاشاني، وقد يذكر بلقبه فقط، وهو بابا أفضل الدين، وينسب إلى كاشان كما ينسب أيضا إلى مرق من.
مخ ۱۹
قرى كاشان، حيث دفن هناك، ويلقب بالإمام وبالصدر، وهو من أعلام المائتين السادسة والسابعة.
ولست بمعترض لدرس شعره، فهذا ليس غرضي، ولا هو من اختصاصي، ولكني أكتفي للتدليل على علو درجته، بإيراد شهادة لمستشرق كبير هو الأستاذ هرمن إتيه Hermann Ethe إذ قرنه بالشيخ أبي سعيد بن أبي الخير، وعمر الخيام وجعله معهما أكبر ثلاثة ألفوا الرباعيات في الشعر الفارسي. وتوجد مجموعة من رباعياته الفارسية محفوظة في خزانة المخطوطات الفارسية، بالمتحف البريطاني.
أما مكانه في الفلسفة الاسلامية، فهذا هو الغرض الذي نرمي إليه، وليس هذا من الأمور الهينة، كما أنه ليس من الهين معرفة ما يشفي الغليل عن سيرته وحياته، وأقدم ما عثرت عليه من أخباره هو ما وجدته في مخطوط صغير الحجم كبير الفائدة، عنوانه: " مختصر في ذكر الحكماء اليونانيين والمليين " وليس في المخطوط ذكر لاسم مؤلفه، على أني اعتقد أنه لا يمكن أن يكون متأخرا عن المائة الثامنة، وهذا المخطوط ضمن مجموعة في خزانة الاسكوريال بإسبانيا رقمها 635 من الخزانة العربية، ذكر أفضل الدين فيه مرتين، الأولى باسم: أفضل الدين محمد بن المرقي القاشي، ووصفه صاحب المختصر بالزهد والتصوف ومداومة الرياضة، ثم قال إنه مات في حدود سنة 610 هجرية، وفي المرة الثانية في ظهر الورقة نفسها ذكره عند ترجمة فخر المحققين نصير الدين الطوسي إذ قال عن الأخير: " نشأ بمشهد طوس واشتغل بها بالتحصيل على خاله ".
أما أن أفضل الدين هو خال نصير الدين الطوسي، فهذا ما تشهد به أيضا بعض الكتب المتأخرة مثل كتاب: " رياض الشعراء " لمؤلفه علي قلي الداغستاني الملقب بالواله، فرغ من تأليفه سنة 1161 هجرية، حيث ورد أن نصير الدين ابن أخت لأفضل الدين الكاشاني (1)، وكذلك قال صاحب الذريعة عند كلامه عن كتاب منسوب إلى أفضل الدين: " إنه معروف ب " بابا أفضل المرقي " لأنه دفن بمرق من قرى كاشان، وإنه كان معاصرا لخواجه نصير الدين، بل قيل إنه خال المحقق الطوسي ".
ولأفضل الدين عدا الرباعيات مؤلفات كثيرة العدد، وكان يكتب بالعربية والفارسية، كما أنه ترجم كتبا في الفلسفة إلى اللغة الفارسية، ونذكر من أسماء كتبه ما وقفنا عليه مع إشارة موجزة إلى موضوع كل منها:
(1) جاودان نامه: أي كتاب البقاء، وموضوعه معرفة النفس والمبدأ والمعاد، و هو مرتب على أربعة أبواب في أحوال السلوك. وحقائق أمور الصوفية.
(2) مدارج الكمال إلى معارج الوصال، كتبه أولا بالعربية، ثم نقله إلى الفارسية، وهو وصية جامعة لخير الدارين، رتبه على ثمانية أبواب.
(3) أنجام نامه: مختصر، ويقال له: " آغاز وأنجام " أي في المبدأ والمعاد.
(4) عرض نامه: في التفرقة بين الجواهر والأعراض.
(5) ساز وپيرايه شاهان: في حقوق الملوك وواجباتهم.
(6) چهار عنوان: أي العناوين الأربعة، وهو مستمد من كتاب:
" كيمياى سعادت " لأبي حامد الغزالي، اختصر فيه كتابه إحياء علوم الدين.
(7) انتخاب كيمياى سعادت: لا يبعد أن يكون هو نفس الكتاب السابق.
(8) رسالة ينبوع الحياة. أو ترجمه سيزده فصل إدريس: وهو ترجمة فارسية لكتاب عربي منسوب إلى هرمس المثلث بالحكمة، وعنوانه بالعربية:
كتاب زجر النفس، وهو في الأصل في أربعة عشر فصلا، ولكنه في ترجمة أفضل الدين واقع في ثلاثة عشر فصلا.
(9) مجموعة نكات أرسطو در علم حكمت: ترجمة مقالة أرسطاطاليس، وهو ترجمة لما جرى بين أرسطو قبيل موته وبين تلاميذه من أحاديث وقد نشر عدة مرات، آخرها بتصحيح الخوري فيليمون الكاتب، بيروت سنة 1903، ويلاحظ في الترجمة الفارسية اطلاق اسم إدريس على هرمس وموضوع الكتاب: بيان فضل الحكمة، وعندي أن هذا الكتاب هو ترجمة لما يعرف في العربية بكتاب التفاحة،، وقد نشر الأستاذ مرغليوث نص الترجمة الفارسية منذ أكثر من خمسين عاما،، وبحث عن شخصية مترجمي هذا الكتاب إلى اللاتينية والعبرية، ولكنه لم يعن بالبحث عن شخصية صاحب الأثر الفارسي الذي نشره. ومنذ ثلاثين سنة وبدون علم بما قدمه مرغليوث نشر أديب شرقي النص العربي لهذا الكتاب (2).
والإسلاميون يضيفون كتاب التفاحة إلى أرسطو، وقد ينسبون إليه ما ورد فيه من آراء، كما فعل اخوان الصفاء في رسالتهم الرابعة والأربعين (3). والحقيقة أن هذا الكتاب ليس من تأليف أرسطو، وإنما هو من وضع فلاسفة " العرفان " Gnose المتأثرين بالمذهب الأفلاطوني الحديث. ويذكر هرمس في كتاب التفاحة موصوفا بأنه أول من علم الحكمة التي استفادها بالوحي من السماء، ثم نشرها في الأرض بين مختلف الأجناس والملل.
(10) كتاب نفس وهو ترجمة فارسية لكتاب أرسطو في النفس، في ثلاث مقالات، توجد منه نسخة بين مخطوطات ديوان الهند الفارسية. وترجمة أفضل الدين لا بد أن تكون عن العربية. وقد عثر أخيرا على مخطوط في استنبول للترجمة العربية الكاملة، ونرجو أن تنشر عن قريب.
(11) مطالب إلهية سبعة وهي رسالة صغيرة الحجم باللغة العربية، نشرت في مصر مشوهة، كثيرة التحريف، أصاب التحريف فيها لقب المؤلف، فجاء " الموقى " بدل " المرقى " وسماها الناسخ، باسم " آيات الإبداع في الصنعة " ثم غير الناشر في هذا العنوان وزاد فيه فجعله " آيات الصنعة في الكشف عن مطالب إلهية سبعة ".
ونحن نعتمد الآن على هذه الرسالة الصغيرة الحجم للتعرف بمذهب أفضل الدين وأدعو من وقف على شئ آخر من آثاره أن يتفضل بالكتابة عنه، فإن هذا الرجل يستحق المزيد من الدرس والعناية.
يتضح في هذه الرسالة، تأثير المذهب الإفلاطوني المحدث على نحو ما تمثله بعض المتصوفين من الاسلاميين، لا سيما في المائتين السادسة والسابعة،
مخ ۲۰
وبالرغم من صغر حجمها فإن فيها من الفوائد اللطيفة ما يكفي مادة لبحث جليل..
وأهم ما في الرسالة، الإشارة إلى تنزيه " الهوية " عن الصفات تنزيها مطلقا، وظاهر أنه يستعمل لفظ الهوية استعمال القدماء إياه، والشائع عند أكثر الفلاسفة الإسلاميين هو لفظ الموجود، وإنما عدل البعض عن استعمال هذا اللفظ الأخير كما قال أبو نصر الفارابي، لأنه بشكل المشتق، والمشتق يدل على عرض بينما يقسم الفلاسفة هذا المعنى إلى الجوهر والعرض، وإلى ما بالفعل، وما بالقوة. ويستعمل البعض الآخر لفظ " الإنية " وهو تعريب للكلمة اليونانية الدالة على " الموجود ".
ويتبين من سياق عبارته في هذه الرسالة، أنه يقدس الهوية، ولذلك نرجح أنه يعنى بها ما يعنى " العارفون " من الإسلاميين باسم " المرتبة الأحدية " التي هي أعلى مراتب الوجود الكلية، وهي حقيقة الوجود بشرط ألا يكون معها شئ.
والهوية عند أفضل الدين الكاشاني سامية جدا، ولا يمكن أن نتصور بينها وبين العالم أي نوع من الاتصال، إلا إذا أخذناها موصوفة بالصفات. ومع أن الصفات تكون ذاتية إلا أن اعتبار الهوية موصوفة بها، فيه تقليل من تنزهها وإذا أخذت الهوية موصوفة بالعلم، تكون مبدعة للعقل، وإذا أخذت من حيث تقتضي أوصافا، كانت فاعلة، أو خالقة لها.
ثم إن مما يستحق أن يشار إليه، هو أن أفضل الدين، يرى في هذه الرسالة أن العقل، وهو الذي تبدعه الهوية العالمة بذاتها، ليس إلا فعل التعقل، وليس جوهرا ولا عرضا، وإذن فهو ليس ممن يذهبون إلى اعتبار العقل شخصا يسميه بعضهم ملكا، ويسميه الآخر ربا.
أما النفس فهي عنده جامعة بين الوحدة والكثرة، وهي البرزخ بين الوجوب والإمكان، والفعل والانفعال. وهذا رأي أصحاب القول بالصدور على اختلاف مذاهبهم.
ثم إنه يعرف الجسم بالتعريف الذي يختاره الإشراقيون، ولا يقبله المشاءون أي إن الجسم عنده هو القابل لفرض الأبعاد الثلاثة، المتقاطعة على زوايا قائمة فيه بالفعل.
هذا تفسير مختصر لما في هذه الرسالة الصغيرة من المعاني الخطيرة، وإني واثق أن الكشف عن غيرها من مؤلفات أفضل الدين كفيل بتوضيح مذهبه في الفلسفة والتصوف على نحو لا يختلف عن الاتجاه الذي سلكته في تقدير هذا الفيلسوف.
وأضيف إلى ما سبق أني وقفت على رأي له في قياس الخلف أورده صدر الدين الشيرازي حيث قال: " ذهب الشيخ أفضل الدين المرقي القاشاني قدس سره إلى أن الخلف قياس استثنائي من متصلة مقدمها نقيض المطلوب، ويحتاج في بيان تاليها إلى حملية مسلمة. " ثم قال صدر الدين: " وهذا الطريق هو الذي ذكره الشارح، يعني محمود بن مسعود المشهور بقطب الدين الشيرازي وظاهر أنه لا يذهب هذا المذهب في مثل هذه المسألة الدقيقة إلا عالم له مشاركة عظيمة في علم المنطق.
ونستطيع بعد ما قدمناه في التعرف بأفضل الدين الكاشاني أن نتصور تصورا واضحا شخصية أستاذ لنصير الدين الطوسي له تأثير كبير في توجيهه الروحي والعقلي، وليس يقتصر ما بين المعلم وتلميذه على ما بينهما من صلات الرحم فحسب، بل إنهما يشتركان في العناية بعلوم الأوائل، والميل إلى التصوف الممزوج بمذهب " العرفان " وقد ذكر أكثر من واحد أن نصير الدين مدح أفضل الدين برباعيات أو لعله رثاه بها، ولم نقف عليها لسوء الحظ ولكننا نحسب أنه أشار فيها إلى ما بينهما من صلة، وقال فيها أيضا ما معناه:
نسب أقرب في شرع الهوى * بيننا من نسب أبوي أسامة بن منقذ مرت ترجمته في المجلد الثالث الصفحة 252 ونزيد عليها هنا ما يلي:
قال محمد مصطفى الماحي مدير أوقاف مصر من مقال له:
غير أن الدهر أبى الا أن يعاند اسامة، فقد أحس نبوة من صلاح الدين الأيوبي لعل سببها ما انتهى إليه من أنه يرفد الشيعة ويصل فقراءهم ويظهر التقية.
أنشأ السيد انشاء الله خان ابن السيد ما شاء الله خان النجفي:
ولد في مرشدآباد الهند سنة 1160 وتوفي بلكنو سنة 1233 اشتهر باسم (أنشأ) وهو شاعر كبير في الهزل والهجاء وهو طويل الباع في النظم بلغات متعددة ولهجات مختلفة: بالعربية والفارسية والهندية. وله في كل نوع أشعار مطبوعة وليس له نظير في شعراء الهند، وهو أيضا كاتب ناشر، وهو أول أديب أسس القواعد الأردوية وأصولها من النحو والصرف والعروض، وضبط الكلمات والأمثال، وكتب (درياي لطافت) فكان أول كتاب دون هذا الفن، وقد ألف بعض أجزائه محمد حسن فتيل، الشاعر الكاتب بالفارسية والتركية، وكان صديقا لانشا وشيعيا مثله.
ولأنشا كتاب (رآني كيتكي) وهو قصة هندية تعتبر نسيج وحدها.
(أنيس)، مير ببر علي بن خليق مير مستحسن بن مير حسن:
ولد حوالي سنة 1216 في فيض آباد وتوفي في لكنو سنة 1291 من أكبر شعراء الهند، اشتهر بلقبه (أنيس) ولم يعرف بغيره لذلك ترجمناه في حرف الألف (1).
أسرة أنيس هي أسرة الشعراء، فاباؤه شعراء مجيدون وأبناؤه شعراء المرائي الحسينية، مشى الشعر في بيته كابرا عن كابر، وقد نظم (أنيس) مئات الآلاف من الأبيات الشعرية وكلها في مديح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم، ويطلق على أشعاره اسم (المرثية)، والمرثية في اصطلاح ذلك العنصر هي نظم سداسي يشتمل على اجزاء خاصة:
1 - التشبيب، وفيه يصور أنيس مظاهر الفطرة من الصبح والمساء والليل والربيع والشتاء.
2 - المديح، وفيه يصور البطل في شخص الحسين ع وأنصاره صورة
مخ ۲۱
ملموسة، من الرأس إلى الجبهة والعينين والأنف والعنق والصدر واليد وغير ذلك.
3 - المعركة وفيها يصور الشاعر لقاء البطل لأعدائه فيضمن الصورة:
الرجز والخطاب، ثم السيف والقوس والرماية والرمح. ثم الالتحام البطولي فالاستشهاد.
4 - الرثاء: يسمعك بكاء الأم على الابن، والأب على الولد، والشقيقة على الشقيق، والبنت على الوالد، وكل قريب على قريبه.
وتحتوي المرثية على عدد يتراوح ما بين عشرين سداسية إلى ثلاثمائة سداسية متسلسلة. وهذه المراثي مطبوعة في ستة مجلدات كبار، وابطالها هم الحسين ع وأنصاره في كربلا.
وأنيس هو أول من ابتكر هذا الفن الشعري ونهج هذا النهج، وهو في مراثيه شاعر حماسي، ففي كل مرثية حماسة وبطولة واخلاق وانسانية. ثم إنه يري القارئ الصور المتحركة الناطقة ويمثل له رجال المعركة، فيقيم الحرب ويبرز الأبطال، فتسمع أراجيز الأحرار وتخاطب الأقران، وترى تقدم الرجالة وجري الفرسان. ثم ترى البطل من آل محمد يصمد للأعداء ويقتحمهم ثم يخر شهيدا مثخنا بالجراح.
انك تسمع في شعره صهيل الجياد وصليل السيوف وقراع الأسنة ورنين السهام، وتبصر بتر الرؤوس وتهاوي الأجساد، فشعره مناظر حية متتابعة ومشاهد متحركة ناطقة، يريك حياة الآلام: من السفر والاغتراب وقتل الآباء واستشهاد الأقرباء وذبح الأبناء ووحدة النساء وعويل الأمهات وصراخ الأخوات.
يبكي (أنيس) بكاء طويلا موجعا، فيبكي معه القارئ والسامع، ويحمله على ترداد الشعر وتكراره.
وأنيس معدود في ملاحمه بين شعراء الأردوية كالفردوسي في الفارسية وشكسبير في الإنكليزية (راجع ترجمة " دبير " في هذا الكتاب).
الدكتور باقر كاشف الغطاء بن أحمد بن علي ولد في النجف سنة 1920 م وتوفي سنة 1993 در في بيروت وأمريكا وحاز على شهادة الدكتوراه في الهندسة. ولما استقر في العراق تولى عدة وظائف في شؤون الري، وكان طيلة اثني عشر عاما مديرا عاما للري، وشارك في المفاوضات التي جرت بيت العراق وتركيا بشأن المياه المشتركة بين الدولتين، كما شارك في عدد من المؤتمرات العالمية. له من المؤلفات: (1) التنبؤ بالمناسب العليا في نهر الفرات. (2) التنبؤ بالمناسيب العليا في نهر دجلة. (3) علم المياه (1).
باقر أمين الورد ولد في الكاظمية عام 1922 وتوفي سنة 1989 م أنهى دراسته في الكاظمية وبغداد وعين معلما في المدارس الابتدائية، وواصل دراسته وتخرج من كلية الحقوق عام 1951 م وكان أديبا فشارك في العديد من مجالس الأدب ببغداد، كما كان عضوا في اتحاد المؤرخين.
صدر له.
أعلام العراق الحديث، معجم علماء العرب (2).
الدكتور باقر سماكة بن الشيخ محمد ولد سنة 1925 م في المدينة الحلة في بيت آل سماكة العلمي الأدبي الديني وتوفي سنة 1994. وبعد أن أكمل بعض المراحل الدراسية عين أمينا لمكتبة المعارف في الحلة. وكان بيته منتدى للعلماء والأدباء التراثيين. نظم الشعر منذ بداية شبابه ثم أصدر جريدة (الفرات) في الحلة سنة 1940 م ولكنها لم تدم طويلا، حصل على الدكتوراه في الأدب الأندلسي في أسبانيا عام 1958 وعين أستاذا في جامعة بغداد.
له من المؤلفات:
1 - التجديد في الأدب الأندلسي.
2 - وديوان شعر باسم (نسمات الفيحاء) (3).
الدكتور باقر عبد الغني ولد سنة 1921 في بلدة (بلد) في العراق وتوفي سنة 1973 تخرج من دار المعلمين سنة 1941 م ومارس التعليم ثم انتمى إلى جامعة الإسكندرية سنة 1950 وتخرج منها بشهادة (الليسانس) في الأدب العربي، ثم قصد إلى باريس فنال الدكتوراه بأطروحته عن (جرير وشعره). وعاد إلى العراق فتولى التدريس الجامعي.
له: دراسات في الأدب العربي، وديوان الأعمى التطيلي (4).
بدران بن سيف الدولة صدقة المزيدي:
مرت ترجمته مفصلة في المجلد الثالث الصفحة 548 ونزيد عليها هنا ما يلي:
قال العماد الأصفهاني في الخريدة وهو يتحدث عنه: " تغرب بعد أن نكب والده وتفرقت في البلاد مقاصده، فكان برهة بالشام يشيم بارقة السعادة من الأيام وآونة ورد بلاد مصر فأولاده كانوا بها لهذا العهد، وعادوا بأجمعهم إلى مدينة السلام، وظهر عليهم أثر الاعدام ".
وذكر له من الشعر قوله:
لا والذي قصد الحجيج على * بزل وما يقطعن من جدد لا كنت بالراضي بمنقصة * يوما والا لست من أسد لا قلقلن العيس دامية الا * خفاف من بلد إلى بلد إما يقال سعى فاحرزها * أو أن يقال مضى ولم يعد وقوله:
وغريرة ونحن على منى * والليل انجمه الشوابك ميل زعم العواذل أن مللت وصالنا * والصبر منك على الجفاء دليل فأجبتها ومدامعي منهلة * والقلب في أسر الهوى مكبول كذب الوشاة علي فيما شنعوا * غيري يحل وغيرك المحلول وقوله:
مخ ۲۲
أشرب اليوم من عقار كميت * واسقنيها على غناء الكميت ثم اسق النديم حتى تراه * وهو حي من الكميت كميت البرسيين جاء في الصفحة 374 من المجلد الثاني خلال الكلام عن (أبو عبد الله الباقطاني): " الق بين الفرات والبرنسيين وقل لهم لا يزوروا مقابر قريش "، ثم جاء في تتمة الكلام: " البرنسيين نسبة إلى برنس قرية بين الكوفة والحلة ".
ثم وردت هذه الكلمة في موضع آخر من الكتاب بلفظ " البرسيين " وورد في تفسيرها: " البرسيين عائلة ثانية من عائلات الشيعة ".
أما كلمة " البرنسيين " فهي تصحيف كلمة " البرسيين ". ويبدو أن كلمة " البرسيين " محرفة عن كلمة " الاريسيين " وهم الفلاحون والاكرة والمزارعون.
قال ابن الأثير في النهاية في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه إلى هرقل " فإن أبيت فعليك اثم الاريسيين " قال ابن الاعرابي وهم الأكارون، وقال أبو عبيدة هم الخدم والخول. والحقيقة أنهم لا يختلفان لأن الزراع كانوا قديما خولا وعبيدا لأهل الأرض المالكين.
بزرك أبو الحسن علوي عن عمر يناهز الثالثة والتسعين، توفي في المنفى أحد أعمدة الرواية والثقافة الإيرانية المعاصرة بزرك أبو الحسن علوي. وخلال أكثر من نصف قرن احتل مكانة بارزة في الحياة الثقافية لبلده، ويعد من ممثلي الأسلوب الحديث في كتابة الرواية الإيرانية المعاصرة.
ولد عام 1904 من عائلة علم وفضل، فالأب الذي امتهن التجارة اهتم بالأدب وكان من الشخصيات التي شاركت في حركة المشروطة ضد الاستبداد في إيران في نهاية القرن الماضي ومطلع الحالي. واضطر الأب إلى الهجرة مع أولاده الثلاثة ومنهم بزرك إلى باريس وبرلين، ليشكل في برلين حركة سياسية عرفت ب " اللجنة الوطنية " التي سرعان ما تحولت إلى ما يعرف ب " الحركة الجمهورية الثورية الإيرانية " بعد تعرفه على المفكر والشخصية اليسارية الإيرانية الدكتور تقي أراني.
في أجواء الحركة الفكرية والأدبية النشطة في أوروبا وبرلين على وجه الخصوص، ترعرع بزرك علوي وانتهل المعرفة في سنوات عمره الأولى. ففي برلين تعرف على آثار مشاهير الأدباء الأوروبيين، وركز بشكل خاص على الأدب والفن الألمانيين وتعمق في دراسة الألمانية ونمت لديه بواكير الاستعداد للكتابة. وما أن أتم دراسته في برلين حتى عاد إلى إيران عام 1928 ليعمل مدرسا في مدينة شيراز ثم انتقل للعمل في طهران.
بعد فترة وجيزة من عمله في إيران باشر بترجمة رواية " بستان الكرز " للروائي الروسي أنطون تشيخوف ثم ألحقها برواية " أعمال السيدة وارن " للكتاب الأرلندي الساخر جورج برناردشو. وتميزت ترجمته بالدقة واختار السلاسة والعبارات الفارسية الجميلة، ما أثار دهشة النقاد لقدرة هذا المترجم الشاب. وفي تلك الفترة تعرف على الروائي الإيراني المعروف صادق هدايت وتوطدت أواصر الصداقة والعمل المشترك بينهما. وإزاء التشويهات التي أصابت الثقافة الإيرانية في عهود الاستبداد بادر كل من صادق هدايت وبزرك علوي والرواني ش. برتو إلى إصدار كتاب عرف ب " انيران " احتوى على ثلاث قصص طريفة، الأولى بعنوان " ظل المغول " تتطرق إلى مرحلة الانحطاط في ظل السيطرة المغولية وكتبها صادق هدايت، والثانية بعنوان " الغول " تصف الحملة على إيران في القرن السابع، والثالثة حول هجوم الإسكندر المقدوني على إيران وكتبهاش. برتو.
وتفتحت قريحة بزرك علوي في رواية أخرى سميت ب " ريح السموم " وهي تعالج مظاهر الخير والجمال والتسامح التي مرت على إيران في فترة تاريخية معينة لتتحول هذه المظاهر لاحقا إلى العنف والقبح والشر. وارتبطت هذه الرواية بتصاعد المشاعر القومية في المجتمع الإيراني، خصوصا أن المثقفين يلمسون الانحدار أو الانهيار الذي أصاب إيران في سنوات الظلام والجهل.
وانضم بزرك علوي في تلك الفترة إلى حلقة من المثقفين عرفت ب " الربعة " ضمت خيرة كتاب الرواية في إيران والتي تسعى إلى تركيب جديد بين التاريخ الإيراني القديم والحديث وبين الأدب الأوروبي الصاعد. وكان عام 1930 عام تحول بالنسبة إلى بزرك علوي عندما أعاد علاقاته مع المفكر الدكتور تقي أراني، فقد تشذبت لدى علوي بفعل هذه العلاقة تلك الأفكار القومية التي وصلت حد التطرف والتي طغت على الشارع الإيراني في تلك الفترة. انتقد أراني هذه النزعة ووصفها بالعنصرية، وكان يسعى إلى جمع المثقفين الإيرانيين لمواجهة الاستبداد في إيران ليلعبوا دورهم في تطور الوعي الثقافي والاجتماعي لسواد الناس. وأعاد أراني إصدار مجلة " دنيا " في عام 1934 والتي كان يصدرها في ألمانيا في السابق، وأصبح بزرك علوي أحد الأعضاء الثلاثة في هيئة تحرير المجلة وأصدر في تلك الفترة روايته الشهيرة " الحقيبة ".
في عام 1937، هاجمت شرطة رضا شاه مقر المجلة واعتقلت محرريها وأشخاصا آخرين بلغ عددهم 53 بتهمة علاقتها بالكومنترن. وفي السجن اغتيل الدكتور تقي أراني وحكم على بزرك علوي بالسجن لمدة سبع سنوات.
في فترة السجن طرأ تطور جديد على فكر علوي ونظرته إلى الحياة فقد أخذ ينظر إلى الحياة نظرة انتقادية وسياسية مقرونة بالهزل والنوادر. قال علوي إن " الدكتور أراني جذبني نحو السياسة في الوقت الذي أثار هدايت في الاهتمام بالأدب ". وقد أثرت عليه أفكار أراني الذي كان ينتقد فكرة الإطلاق في العامل الاقتصادي بكونه عنصرا حاسما في تغيير المجتمع واعتبر أن لعلم النفس الاجتماعي والعامل الروحي دورا مهما في التغيير. وانعكست هذه الأفكار الجديدة في رواية علوي التي كتبها في السجن تحت عنوان " الأوراق " السجنية " والتي كان يرسلها بشكل سري وعلى لفافات السجائر إلى الخارج والتي لم يستطع نشرها إلا بعد سقوط رضا شاه في عام 1941. وقد ترجمت ونشرت هذه المذكرات في الولايات المتحدة عام 1985. وينطوي مضمونها على بيانات عاطفية حول الحياة في السجن مع مفارقاتها ونوادرها الواقعية الطريفة والمحزنة في آن واحد، وهو وصف لا سابق له في الأدب الإيراني المعاصر.
عام 1942 أصدر روايته المعروفة " 53 شخصا " التي تحكي وبشكل واقعي قصة الثلاثة وخمسين شخصا الذين اعتقلوا في عام 1935. هذه القصة فريدة في رسم صورة العاصفة في النصف الثاني من الثلاثينات في إيران.
وأعقب ذلك إصداره رواية أخرى هي " الرسائل ".
ويجمع النقاد على أن أبرز رواياته هي " عيناها " التي نشرها باللغة الفارسية عام 1925 وسبق أن نشرها باللغة الألمانية في عام 1950، وبيعت على نطاق واسع. هذه الرواية تصف الحب والحياة اليومية والنشاط السياسي لفنان تشكيلي وتجذب القارئ بطراوتها وعمقها الإنساني وحلاوة لغتها.
السنوات التي امتدت منذ عام 1941 وحتى عام 1952 كانت سنوات ثراء وعطاء وفير للراحل بزرك علوي. وليكن، سرعان ما انتكس هذه الإبداع أثر الانقلاب العسكري ضد حكومة الدكتور مصدق في عام 1953، ما اضطر الكاتب للجوء إلى منفاه في ألمانيا. وعكف على الدراسة والبحث في جامعة همبولت. وأصدر لاحقا روايته " الميرزا " التي تحكي عن حياة المهاجرين
مخ ۲۳
السياسيين في المنفى، واتبعها برواية " الأبوة " وأخيرا وفي عام 1975 أصدر روايته المعروفة " الأرضة " التي تصف الفساد الذي ساد في العائلة الشاهنشاهية والتي ستؤدي إلى انهيارها وهذا ما جرى في عام 1979.
وعكف في منفاه على تعريف أوروبا بالأدب الإيراني المعاصر فأصدر باللغة الألمانية " تاريخ الأدب الإيراني المعاصر "، إلى جانب قاموس فارسي - ألماني وترجمة قصائد هدايت إلى اللغة الألمانية.
هكذا أدى بزرك أبو الحسن علوي خلال ما يزيد على 70 عاما خدمات كبيرة للثقافة والأدب الإيرانيين ما جعله في مصاف مشاهير الكتاب المعاصرين في إيران (1).
تقي الشيخ راضي به الشيخ عبد الله ولد سنة 9161 م وتوفي سنة 1993.
بدأ دراسته في الحوزة بالنجف ثم انتقل إلى القاهرة وانتمى إلى (دار العلوم) فتخرج منها بشهادة (الليسانس) في الأدب. وعاد إلى العراق فمارس التدريس في المدارس الثانوية.
له: سيرة يعقوب بن إسحاق الكندي وفلسفته (2).
توفيق الفكيكي ابن علي ولد في بغداد سنة 1321 وتوفي سنة 1389.
أديب ومؤلف، تخرج من المدرسة الرشدية في بغداد ثم من دار المعلمين فمارس التعليم، ثم دخل كلية الحقوق وتخرج منها فاشتغل بالمحاماة ثم انتسب إلى سلك القضاء ثم استقال منه وعمل فترة في الصحافة والسياسة فانتخب نائبا.
وكان إلى جانب دراسته السابقة يتابع على بعض الفقهاء دراسة علوم اللغة العربية وأصول الفقه.
له من المؤلفات: 1 الراعي والرعية وهو أشهر مؤلفاته شرح فيه عهد أمير المؤمنين ع لمالك الأشتر. طبع عدة مرات وترجم إلى الفارسية 2 - سكينة بنت الحسين 3 - رسالة في سياسة الإمام الصادق ع 4 دراسات في الفقه المقارن 5 القومية الاسلامية أو جنسية القرآن 6 هشام بن الحكم (مخطوط) 7 أدب النخيل أو شجرة العذراء، قال في مقدمته: (حرصت أشد الحرص على أن أجمع بين دفتي هذا الكتاب كل ما يتعلق بالنخل).
الدكتور جابر الشكري بن عزيز ولد سنة 1918 في الكوفة وتوفي سنة 1987 م أتم دراسته الثانوية في النجف، وأوفد سنة 1938 إلى ألمانيا ثم إلى سويسرا لدراسة الكيمياء ونال شهادة الدكتوراه سنة 1936 ولما عاد إلى العراق شغل عدة مناصب علمية، وكان عضوا في المجمع العلمي العراقي، وشارك في عدة مؤتمرات علمية عالمية.
له من المؤلفات: (1) النفط والبتروكيماوت (2) الكيمياء عند العرب (3) تاريخ العلم (3).
(جرأت)، قلندر بخش توفي بلكنو سنة 1225 اشتهر بلقب (جرأت) لذلك ترجمناه في حرف الجيم.
كان كفيف البصر ، وهو شاعر هندي شهير له في الغزل منهج خاص، واشتهر أيضا بالمراثي الحسينية. طبع المجلد الأول من كلياته سنة 1970 م.
جعفر الخليلي ابن الشيخ أسد ولد في النجف عام 1322 ه وتوفي في (دبي) سنة 1405 ودفن فيها.
وقد أرخ ولادته الشيخ حسين العاملي بقوله:
عوذت مولودا أتى * لشيخنا: (الشيخ أسد) من كيد كل كائد * وحاسد إذا حسد يا فرحة ما جاءنا * بمثلها قبل أحد ان قيل من؟ أرخ: (أنا * الشبل من ذاك الأسد) ولد في بيت علم وأدب ودين وطب. تولى غير واحد من أسرته المرجعية الشيعية. كان منهم جده الحاج ملا علي الخليلي، وعم أبيه الحاج المرزا حسين الخليلي أما والده فهو الشيخ أسد الخليلي من رجال الفضل والأدب والطب القديم وكان من أساتذة علم المنطق المعروفين.
ومن مشاهير الأسرة شقيقه عباس الشاعر السياسي والأديب المتمكن من اللغتين العربية والفارسية، والمبرز في الحركات الوطنية في النجف والذي استطاع أن ينجو من مشنقة الإنكليز في ثورة النجف المعروفة التي قامت قبل الثورة العراقية عام 1336 ه 1918 م وقد أرخ لها المؤرخون في وقتها بقولهم: (حصار وغلا) 1336 ه فقد تخفى عباس الخليلي في الآبار وهرب إلى إيران وحكم عليه بالاعدام غيابيا في حين أعدم زملاؤه الشهداء الذين لم يستطيعوا الهرب مثله، وكانوا أحد عشر شهيدا وقد قال حين فر وأخفقت الثورة النجفية من قصيدة:
رويدا رجال الإنكليز ورأفة * ان اليوم أسرفتم فان لنا غدا وان قصرت اقدامنا عن خطاكم * مددنا إلى ما فوق هامكم يدا ومنها يخاطب أهل العراق:
يحييكم أهل العراق على النوى * فتى في سبيل المجد أمسى مشردا تحية عان كلما هبت الصبا ينوح كما ناح الحمام مغردا ان اليوم أطلقت اللسان بحبكم * فبالأمس عنكم قد سللت المهندا عواطف لا تنفك تغلي بمهجتي إلى أن أرى فوق الصعيد موسدا وقد أصدر جريدة إقدام... بطهران وله عدة مؤلفات توفي في طهران عام 1972 م.
ومن أفراد الأسرة الأديب الطبيب الشيخ محمد الخليلي ابن عم جعفر الخليلي وصاحب كتاب أدباء الأطباء والأديب محمد علي إبراهيم الخليلي وبين آل الخليلي عدد من أدباء الشباب والشعراء.
عمل المترجم في التعليم في الحلة والنجف وسوق الشيوخ والرميثة والكوفة في فترات، واستقال من المعارف في السنة التي توفي فيها والده وكان آخر ما عمل في المعارف ان كان مدرسا للتاريخ والجغرافيا في ثانوية النجف مدة ثلاث سنوات تقريبا. ثم تفرع للصحافة.
مخ ۲۴