قرى كاشان، حيث دفن هناك، ويلقب بالإمام وبالصدر، وهو من أعلام المائتين السادسة والسابعة.
ولست بمعترض لدرس شعره، فهذا ليس غرضي، ولا هو من اختصاصي، ولكني أكتفي للتدليل على علو درجته، بإيراد شهادة لمستشرق كبير هو الأستاذ هرمن إتيه Hermann Ethe إذ قرنه بالشيخ أبي سعيد بن أبي الخير، وعمر الخيام وجعله معهما أكبر ثلاثة ألفوا الرباعيات في الشعر الفارسي. وتوجد مجموعة من رباعياته الفارسية محفوظة في خزانة المخطوطات الفارسية، بالمتحف البريطاني.
أما مكانه في الفلسفة الاسلامية، فهذا هو الغرض الذي نرمي إليه، وليس هذا من الأمور الهينة، كما أنه ليس من الهين معرفة ما يشفي الغليل عن سيرته وحياته، وأقدم ما عثرت عليه من أخباره هو ما وجدته في مخطوط صغير الحجم كبير الفائدة، عنوانه: " مختصر في ذكر الحكماء اليونانيين والمليين " وليس في المخطوط ذكر لاسم مؤلفه، على أني اعتقد أنه لا يمكن أن يكون متأخرا عن المائة الثامنة، وهذا المخطوط ضمن مجموعة في خزانة الاسكوريال بإسبانيا رقمها 635 من الخزانة العربية، ذكر أفضل الدين فيه مرتين، الأولى باسم: أفضل الدين محمد بن المرقي القاشي، ووصفه صاحب المختصر بالزهد والتصوف ومداومة الرياضة، ثم قال إنه مات في حدود سنة 610 هجرية، وفي المرة الثانية في ظهر الورقة نفسها ذكره عند ترجمة فخر المحققين نصير الدين الطوسي إذ قال عن الأخير: " نشأ بمشهد طوس واشتغل بها بالتحصيل على خاله ".
أما أن أفضل الدين هو خال نصير الدين الطوسي، فهذا ما تشهد به أيضا بعض الكتب المتأخرة مثل كتاب: " رياض الشعراء " لمؤلفه علي قلي الداغستاني الملقب بالواله، فرغ من تأليفه سنة 1161 هجرية، حيث ورد أن نصير الدين ابن أخت لأفضل الدين الكاشاني (1)، وكذلك قال صاحب الذريعة عند كلامه عن كتاب منسوب إلى أفضل الدين: " إنه معروف ب " بابا أفضل المرقي " لأنه دفن بمرق من قرى كاشان، وإنه كان معاصرا لخواجه نصير الدين، بل قيل إنه خال المحقق الطوسي ".
ولأفضل الدين عدا الرباعيات مؤلفات كثيرة العدد، وكان يكتب بالعربية والفارسية، كما أنه ترجم كتبا في الفلسفة إلى اللغة الفارسية، ونذكر من أسماء كتبه ما وقفنا عليه مع إشارة موجزة إلى موضوع كل منها:
(1) جاودان نامه: أي كتاب البقاء، وموضوعه معرفة النفس والمبدأ والمعاد، و هو مرتب على أربعة أبواب في أحوال السلوك. وحقائق أمور الصوفية.
(2) مدارج الكمال إلى معارج الوصال، كتبه أولا بالعربية، ثم نقله إلى الفارسية، وهو وصية جامعة لخير الدارين، رتبه على ثمانية أبواب.
(3) أنجام نامه: مختصر، ويقال له: " آغاز وأنجام " أي في المبدأ والمعاد.
(4) عرض نامه: في التفرقة بين الجواهر والأعراض.
(5) ساز وپيرايه شاهان: في حقوق الملوك وواجباتهم.
(6) چهار عنوان: أي العناوين الأربعة، وهو مستمد من كتاب:
" كيمياى سعادت " لأبي حامد الغزالي، اختصر فيه كتابه إحياء علوم الدين.
(7) انتخاب كيمياى سعادت: لا يبعد أن يكون هو نفس الكتاب السابق.
(8) رسالة ينبوع الحياة. أو ترجمه سيزده فصل إدريس: وهو ترجمة فارسية لكتاب عربي منسوب إلى هرمس المثلث بالحكمة، وعنوانه بالعربية:
كتاب زجر النفس، وهو في الأصل في أربعة عشر فصلا، ولكنه في ترجمة أفضل الدين واقع في ثلاثة عشر فصلا.
(9) مجموعة نكات أرسطو در علم حكمت: ترجمة مقالة أرسطاطاليس، وهو ترجمة لما جرى بين أرسطو قبيل موته وبين تلاميذه من أحاديث وقد نشر عدة مرات، آخرها بتصحيح الخوري فيليمون الكاتب، بيروت سنة 1903، ويلاحظ في الترجمة الفارسية اطلاق اسم إدريس على هرمس وموضوع الكتاب: بيان فضل الحكمة، وعندي أن هذا الكتاب هو ترجمة لما يعرف في العربية بكتاب التفاحة،، وقد نشر الأستاذ مرغليوث نص الترجمة الفارسية منذ أكثر من خمسين عاما،، وبحث عن شخصية مترجمي هذا الكتاب إلى اللاتينية والعبرية، ولكنه لم يعن بالبحث عن شخصية صاحب الأثر الفارسي الذي نشره. ومنذ ثلاثين سنة وبدون علم بما قدمه مرغليوث نشر أديب شرقي النص العربي لهذا الكتاب (2).
والإسلاميون يضيفون كتاب التفاحة إلى أرسطو، وقد ينسبون إليه ما ورد فيه من آراء، كما فعل اخوان الصفاء في رسالتهم الرابعة والأربعين (3). والحقيقة أن هذا الكتاب ليس من تأليف أرسطو، وإنما هو من وضع فلاسفة " العرفان " Gnose المتأثرين بالمذهب الأفلاطوني الحديث. ويذكر هرمس في كتاب التفاحة موصوفا بأنه أول من علم الحكمة التي استفادها بالوحي من السماء، ثم نشرها في الأرض بين مختلف الأجناس والملل.
(10) كتاب نفس وهو ترجمة فارسية لكتاب أرسطو في النفس، في ثلاث مقالات، توجد منه نسخة بين مخطوطات ديوان الهند الفارسية. وترجمة أفضل الدين لا بد أن تكون عن العربية. وقد عثر أخيرا على مخطوط في استنبول للترجمة العربية الكاملة، ونرجو أن تنشر عن قريب.
(11) مطالب إلهية سبعة وهي رسالة صغيرة الحجم باللغة العربية، نشرت في مصر مشوهة، كثيرة التحريف، أصاب التحريف فيها لقب المؤلف، فجاء " الموقى " بدل " المرقى " وسماها الناسخ، باسم " آيات الإبداع في الصنعة " ثم غير الناشر في هذا العنوان وزاد فيه فجعله " آيات الصنعة في الكشف عن مطالب إلهية سبعة ".
ونحن نعتمد الآن على هذه الرسالة الصغيرة الحجم للتعرف بمذهب أفضل الدين وأدعو من وقف على شئ آخر من آثاره أن يتفضل بالكتابة عنه، فإن هذا الرجل يستحق المزيد من الدرس والعناية.
يتضح في هذه الرسالة، تأثير المذهب الإفلاطوني المحدث على نحو ما تمثله بعض المتصوفين من الاسلاميين، لا سيما في المائتين السادسة والسابعة،
مخ ۲۰