233

مروج الذهب او معدن جواهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال المسعودي: ذهب الحكماء جميعا من اليونانيين وغيرهم إلى أن أفعال القمر في الجواهر التي قلنا عظيمة، إلا أنها أقصر من أفعال الشمس، وهو الثاني بعدها، وذلك أن الشهور به تكون، وعلى حسب حركته يجري أمرها، وأفعاله لرى أعظم وآبين في حيوان البحر خاصة، وهو ينمى النبات وغيره، ويعظم البحار، ويسمن الحيوان، ويلزم النساء الطمث أزمانا محدودة.

تصور الجنين في الرحم

قال المسعودي رحمه الله: وقد تنازع الناس في كيفية تصور الجنين في الرحم.

فذهب قوم من أهل القدم إلى أن في المني قوة تصور الجنين إما منة،. وما من دم الطمث.

وذهب قوم إلى أن في الرحم قالبا يتصور فيه الجنين، وقد ذكر جالينوس في كتابه عن بقراط أن مقام المني مقام الفاعل والمفعول في تصور الجنين.

وقال صاحب المنطق: إن ذلك بمنزلة الفاعل، وإن الجنين يتصور في دم الطمث من المني، قال: والمني يعطي الدم مثل الحركة، ثم يستحيل ريحا فيخرج من الرحم، وزعم جالينوس أن الجنين يكون من المني، وقد يجذب إليه الدم الذي هو الطمث، والروح من العروق والشريانات فيكون من المني، ومن ذلك الدم الذي يجذبه، ومن الريح الذي تصير إليه من الشريانات. قال: وكون الجنين بمنزلة كون النبات، والطبيعة تصوره من المني والدم، وتفعل الطبيعة في الجنين ما تفعله في النبات. لأن بزر النبات يحتاج إلى أرض لينال منها ما يتغذى به، فالجنين إلى الرحم، والنبات يرسل عروقه من الأصول ليجذب بها من الأرض غداه،وللجنين في المشيمة شريانات، والعروق نظير لذلك وهي أصول الجنين، وبزر النبات ينبت منه سوق، ومن السوق أغصان كبار، ثم من هذه الأغصان أغصان أخرى تتفرع أولا حتى تنتهي إلى الأقاصي، ونظير ذلك يوجد في الجنين؛ فتجد السوق في بدئه ثلاثة من كل واحد كل الأغصان الأصول وهي؛الشريان الأعظم، والعرق الأجوف، والنخاع ثم تجد كل واحد من هذه تتشعب منه شعب كالأغصان المنقسمة ألم أغصان آخر حتى ينتهي إلى الأطراف، ثم قال بعد ذلك: إن المني و المحرك لنفسه، وإن الجنين يكون من الرجل والمرأة الطمث.

وحكى جالينوس عن أنبدقلس أن أجزاء الولد منقسمة فيمنى الذكر والأنثى وأن شهوة الجماع تسوق هذه الأجزاء إلا الالتئام، وهذا موجود في كتاب أنبدقلس الكبير وفيما ذكره من مذهبه في كيفية تركيب العالم واتصال النفس بعالمها وغير ذلك.

وقد ذهب قوم من، أهل القدم إلى أن ذلك هو أجزاء تخرج من أعضاء الإنسان لطيفة من جنس سائر أعضاء الإنسان، فتنصب في الرحم، فيتغذى منه وينمو، فيكون من ذلك الجنين.

يشبه الولد أباه وأهل بيت أبيه

ومنهم من رأى أن هذه الأجزاء الواردة من سائر أعضاء الذكر تقاربها مواد من الرحم ومن ماء المرأة عند اجتماعهما فيكون الجنين من ذلك، فمن ذلك صار الولد يشبه أباه في الأغلب من سائر الأعضاء ويشاكله وأهل بيت أبيه، ولهذا وقع الشبه بين البنين والآباء في الأغلب من تشهابه الأعضاء، ومن ههنا أدركت القافة إلحاق النسب عند الشبه والشك في لنسب، وذلك على قول من رأى إلحاق النسب بالقيافة من الفقهاء، وقد تقدم الكلام في هذا المعنى فيما سلف من هذا الكتاب في باب القيافة.

وللناس في كيفية تصور الجنين في الرحم وما بدؤه وما عنصره وكيفية تقلبه من النطفة إلى العلقة ومن العلقة إلى المضغة إلى استكمال شكله كلام كثير: منهم أصحاب الاثنين وغيرهم ممن تقدم وتأخر، أعرضنا عن ذكر ذلك؛ إذ كان فيه خروج عما إليه قصدنا في هذا الباب.

قال المسعودي رحمه الله: والذي يقضي على سائر ما تقدم وصفه نقطع علم العقول عنده، وهو ما أخبر به الباري عز وجل في كتابه بقوله: " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز حكيم " ولم يخبر عن كيفية وقوع ذلك وما سبب مواده، بل استأثر بعلمه، وأبدى الدلالة بظهور حكمته دالة على توحيده وإتقانه لما أظهر لعباده من حكمته ثم أخبر عن المبدأ الذي خلقهم منه فقال: " يا أيها الناس أنا خلقنكم من ذكر وأنثى " وقال عز وجل: يا أيها الناس إن كنتم ريب من البعث فأنا خلقنكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مغة مخلقة وغير مخلقة؛ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " الآية.

ختلاف في تأثير النيرين

مخ ۲۵۲