مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وقد قدمنا فيما سلف في مواضع من هذا الكتاب ما قالت الأوائل في علة طول الأعمار وقصرها، وعظم الأجسام في بدء الأمر، وتناقضها على مرور الأعصار ومضيئ الدهور، وأن الله تبارك وتعالى لما بدآ الخلق كانت الطبيعة التي جعلها الله جبلة للأجسام في تمام " الكثرة ونهاية القوة والكمال، والطبيعة إذا كانت تامة القوة كانت الأعمار أطول، والأجسام أقوى؛لأن طرق الموت الطارئ يكون بانحلال قوى الطبيعة، فلما كانت القوة أتم كانت الأعمار أزيد، وكان العالم أو أولية شأنه تام العمر، ثم لم يزل ينقص أولا فأولا لنقصان المادة فتنقص الأجسام والأعمار مع نقصان المادة حتى يكون آخر مائية الطبيعة في تناهي النقص في الأجسام والأ عمار.
وقد أبى ما ذكرنا من عظم أجسام الناطقين في صدور الزمان كثير من أهل النظر والبحث ممن تأخر، وزعموا أن تأثيرهم في بنيانهم وما ظهر في الأرض من أعمالهم يدل على صغر أجس أمه م، وأنها كانت كأجسامنا، لما شاهدوه من مساكنهم وأبوابهم وممراتهم فيما أحدثوه من البنيان والهياكل والديار والمساكن في سائر الأرض، كديار ثمود ونحتها المساكن في الجبال وحفرها في الصخر الصلد بيوتا صغارا وأبوابأ د لطافا، وكذلك أرض عاد ومصر والشام وسائر بقاع الأرض في الشرق والغرب، وهذا باب إن أكثرنا القول فيه طال، وإن أطنبنا في صفته كثر، فلنرجع الآن إلى ما عنه عدلنا ومن صفته خرجنا من ذكر سبأ ومأرب، وما كان من الملك في ذلك الوقت وهو عمرو بن عامر.
عود لذكر سبأ
وكان للملك عمرو بن عامر المقدم ذكره في هذا الباب أخ كاهن عقيم، يقال له عمران، وكان لعمرو كاهنة من أهله من حمير يقال لها طريفة الخير فكان أول شيء وقع بمأرب وعرف من سيل العرم أن عمران الكاهن أخا عمرو رأى في كهانته أن قومه سوف يمزقون كل ممزق ويباعد بين أسفارهم، فذكر ذلك لأخيه عمرو، وهو الملك مزيقياء الذي كانت محنة القوم في أيام ملكه، والله أعلم بكيفية ذلك.
ظريفة الكاهنة
مخ ۲۴۲