208

مروج الذهب او معدن جواهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وقد ذكر جماعة من أهل السير والأخبار أن جميع من ذكرنا من هذه القبائل كانوا أهل خيم وبدوأ مجتمعين في مساكنهم من الأرض، وأن أميما أول من ابتنى البنيان، ورفع الحيطان، وقطع الأشجار، وسقف السقوف، واتخذ السطوح، وأن ولد حام بن نوح حلوا ببلاد الجنوب، وأن ولد كوش بن كنعان خاصة هم النوبة، على حسب ما قدمنا آنفا في باب السودان من هذا الكتاب، وأن فخذا من ولد كنعان بن حام ساروا نحو بلاد إفريقية وطنجة من أرض المغرب، فنزلوها، وزعم هذا القائل أن البربر من ولد كنعان بن حام.

أنساب البربر

وقد تنازع الناس في بدء أنساب البربر، فمنهم من رأى أنهم من غسان وغيرهم من اليمن، وأنهم تفرقوا حول تلك الديار حين تفرق الناس من بلاد مأرب عندما كان من سيل العرم ومنهم من رأى أنهم من قيس عيلان، ومنهم من رأى غير ذلك، وقد ذكرناه فيما سلف من كتبنا.

ونزل ولد كنعان بن حام - وهم الأغلب من ولد كنعان - بلاد الشام، فهم الكنعانيون، وبهم تعرف تلك الديار، فقيل: بلاد كنعان.

وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب أخبار مصربن حام وبيصر والأ نباط.

مسير نوفير إلى الهند

وسار نوفير بن فوط بن حام بولده ومن تبعه إلى أرض الهند والسند، وبالسند امم لهم أجسام طوال، وهم على بلاد المنصورة من أرض السند؛ فعلى هذا القول أن الهند والسند من ولد نوفير بن فوط بن حام بن نوح، فولد حام في الجنوب من الأرض الأكثر منهم، وولد يافث في الشمال فيما بين الشرق والمغرب على حسب ما ذكرنا من الأمم وتفرقها في الشرق وغيره مما يلي جبل القبخ والباب والأبواب.

عبادة عاد، وبغيهم

وبغت عاد في الأرض وملكها الخلجان بن الوهم؛فكانوا يعبدون ثلاثة أصنام، وهي: صمود، وصداء، والهباء، فبعث الله إليهم هودا على حسب ما قدمنا، فكذبوه، وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خالد بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، وقد قدمنا أن قوم عاد كانوا عشرة قبائل، وقد تقدم ذكر أسمائهم، فدعا عليهم هود، فمنعوا المطرثلاث سنين، وأجدبت الأرض فلم يدر عليهم ضرع.

أصل الشرك ووفود عاد على مكة

وقد كان من ذكرنا من الأمم لا يجحد الصانع جل وعز، ويعلمون أن نوحا عليه السلام كان نبيا، وفي لقومه بما وعدهم من العذاب، إلا أن القوم دخلت عليهم شبه بعد ذلك لتركهم البحث واستعمال النظر، ومالت نفوسهم إلى الدعة، وما تدعو إليه الطبائع من الملاذ والتقليد، وكان في نفوسهم هيبة الصانع، والتقرب إليه بالتماثيل وعبادتها، لظنهم أنها مقربة لهم إليه، وكانوا مع ذلك يعظمون موضع الكعبة، وكان موضع على ما ذكرنا ربوة حمراء، فوفدت عاد إلى مكة يستسقون لهم، وكان بمكة يومئذ العماليق، فأتى الوفد مكة، فأقبلوا علي الشرب واللهو، حتى غنتهم الجرادتان قينتا معاوية بن بكر بشعر فيه حث لهم على ما وردوا من أجله، وهو:

ألا يا قيل ويحك قم فهينم ... لعل الله يمطرنا غماما

فيسقي أرض عاد، ... إن عادا قد امسوا لا يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وإن الوحش تأتي أرض عاد ... فلا تخشى لراميهم سهاما

وأنتم ههنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما

فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما

ثم إن معاوية بن بكر دعا إحدى الجرادتين فغنت:

ألا يا قيل من عوص ... ومن عاد بن سام

وعاد كالشماريخ ... من الطول الكرام

سقى الله بني عاد ... معا صوب الغمام

فاستيقظ القوم من غفلتهم، وباثروا إلى الاستسقاء لقومهم؛ فكان من أمرهم في مجيء السحاب واختيارهم لما اختاروه منها ما قد اتضح وفيهم يقول مرثد بن سعد من كلمة:

عصت عاد رسولهم فأمسوا ... عطاشا لا تبلهم السماء

مخ ۲۲۷