مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وذكر الهيثم بن عدي والشرقي بن القطامي وغيرهما من الأخباريين أنه وفد على كسرى أنو شروان بعض خطباء العرب، فسأله كسرى عن شأن العرب وسكناها البر واختيارها البدو، فقال: أيها الملك، ملكوا الأرض ولم تملكهم، وأمنوا عن التحصن بالأسوار، واعتمدوا على المرهفات الباترة، والرماح الشارعة جننا وحصونا، فمن ملك قطعة من الأرض فكأنها كلها له، يرعون منها خيارها، ويقصدون ألطافها، قال: فأين حظوظهم من الفلك؟ قال: من تحت الفرقدين ورأس البحرة وسعد الجدي مشرقين في البر بحسب ذلك، قال: فما رياحها؟ قال: أكثرها النكباء بالليل والصبا عند انقلاب الشمس، قال: فكم الرياح؟ قال: أربع، فإذا انحرفت واحدة منهن قيل: نكباء، وما بين سهيل إلى طرف بياض الفجر جنوب، وما بإزائهما مما يستقبلهما من المغرب شمال، وما جاء من وراء الكعبة فهي دبور، وماجاء من قبل ذلك فهي صبا، قال؛فما أكثر غذاءهم. قال: اللحم واللبن والنبيذ والتمر، قال: فما خلائقهم؟ قال: العز، وا لشرف، والمكأرم، وقرى ا لضيف، وإذمام الجار، وإجارة الخائف، وأداء الحمالات ، وبذل المهج في المكرمات، وهم سراة. وليوث الغيل، وعمار البر، وأنس القفر، ألفوا القناعة، وشنفوا الضراعة،. لهم الأخذ بالثار، والأنفة من العار، والحماية للذمار، قال كسرى: لقد وصفت عن هذا الجيل كرما ونبلا؛ وما أولانا بإنجاح وفادتك فيهم. فتخيرت العرب في البر إنزالا منها مشات ومنها مصايف؛ فمنهم المنجد والمتهم فالمنجد منهم هم الذين سكنوا أرض نجد والمتهم هم الذين سكنوا أرض تهامة، ومنهم من سكن أغوار الأرض كغور بيسان وغور غزة من أرض الشام من بلاد فلسطين والأردن ومن سكنه من لخم وجذام، ولجميع العرب مياه يجتمعون عليها وملكية يعرجون إليها، كالدهناء والسماوة والتائم وأنجاد الأرض والبقاع والقيعان والوهاد، ولست تكاد ترى قبيلا من العرب توغل من الأماكن المعروفة لهم والمياه المشهورة بهم، كماء ضارج وماء لعقيق والهباءة وما أشبه ذلك من المياه.
الاكراد ونسبهم ومساكنهم
وأما أجناس الأكراد وأنواعهم فقد تنازع الناس في بدئهم؛ فمنهم من رأى أنهم من ربيعه بن نزار بن معد بن عدنان، انفردوا في قديم الزمان، وانضافوا إلى الجبال والأودية، دعتهم إلى ذلك الأنفة، وجاوروا من هنالك من الامم الساكنة المدن والعمائر من الأعاجم والفرس، فحالوا عن لسانهم، وصارت لغتهم أعجمية،ولكل نوع من الأكراد لغة لهم بالكردية، ومن الناس من رأى أنهم من مضر بن نزار، وأنهم من ولد كرد بن صعصعة بن هوازن، وأنهم انفردوا في قديم الزمان لوقائع ودماء كانت بينهم وبين غسان، ومنهم من رأى أنهم من ربيعه ومضر، وقد اعتصموا في الجبال طلبا للمياه والمرادى فحالوا عن اللغة العربية لما جاورهم من الأمم.
ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داود عليهما السلام حين سلب ملكه ووقع على إمائه المنافقات الشيطان المعروف بالجسد، وعصم الله منه المؤمنات أن يقع عليهن، فعلق منه المنافقات، فلما رد الله على سليمان ملكه ووضع تلك الإماء الحوامل من الشيطان قال: أكردوهن إلى الجبال والأودية، فربتهم أمه اتهم، وتناكحوا، وتناسلوا، فذلك بدء نسب ا لأكرا د.
ومن الناس من رأى أن الضحاك ذا الأفواه المقدم ذكره في هذا الكتاب الذي تنازعت فيه الفرس والعرب من أي الفريقين هو، أنه خرج بكتفيه حيتان فكانتا لا تغذيان إلا بألدمغة الناس، فأفنى خلقا كثيرا من فارس، واجتمعت إلى حربه جماعة كثيرة وافاه أفريدون بهم وقد شالوا راية من الجلود تسميها الفرس درفش كاوان، فأخذ أفريدون الضحاك وقيده في جبل دنباوند على ما ذكرنا، وقد كان وزير الضحاك في كل يوم يذبح كبشا ورجلا ويخلط أدمغتهما، ويطعم تينك الحيتين اللتين كانتا في كتفي الضحاك، ويطرد من تخلص إلى الجبال، فتوحشوا وتناسلوا في تلك الجبال فهم بدء الأكراد، وهؤلاء من نسلهم، وتشعبوا أفخادا، وما ذكرنا من خبر الضحاك فالفرس لايتنا كرونه، ولا أصحاب التواريخ القديمة ولا الحديثة.
وللفرس في أخبار الضحاك مع إبليس أخبار عجيبة، وهي موجودة في كتبهم، وتزعم الفرس أن طهومرث المقدم ذكره في ملوك لفرس الأولى هو نوح النبي عليه السلام، وتفسير درفيش بالفارسية اللهلوية - وهي الأولى - الراية والمطرد والعلم.
وأما الترك وأجناسها فقد قدمنا كثيرأ من أخبارها، وقد غلط قوم فزعموا أن الترك من ولد طوح بن أفريدون، وهذا غلط بين؛لأن طوح ولأه أفريدون على الترك وسلم على الروم، وكيف توليه عليهم وهم ولده؛ وما قلنا يدل على أن الترك من غير ولد طوم بن أفريدون، بل لطوح في الترك عقب مشهور، والمعظم في أجناس الترك هم التبت، وهم من حمير على حسب ما ذكرنا أن بعض التبابعة ربتهم هناك.
وما قلنا من الأكراد فالأشهر عند الناس؛والأصح من أنسابهم؛ أنهم من ولد ربيعه بن نزار، فأما نوع من الأكراد - وهم الشوهجان ببلاد ما بين الكوفة والبصرة، وهي أرض الدينور وهمذان - فلا تناكما بينهم أنهم من ولد ربيعه بن نزار بن معد، والماجردان - وهم من الكنكور ببلاد أذر والهلبانية والسراة وما حوى بلاد الجبال من الشادنجان والمادنجان والمزدنكان والبارسان والخالية والجابارقية والجاوانية والمستكان ومن حل بلاد الشام من الدبابلة وغيرهم - فالمشهور فيهم أنهم من مضر بن نزار، ومنهم اليعقوبية والجورقان وهم نصارى، وديارهم مما يلي بلاد الموصل وجبل الجودي.
مخ ۲۱۸