مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وجلس أنوشروان يوما للحكماء ليأخذ من آدابهم فقال لهم وقد أخذوا مراتبهم في مجلسه: دلوني على حكمة فيها منفعة لخاصة نفسي وعأمة رعيتي، فتكلم كل واحد منهم بما حضره من الرأي، وأنو شروان مطرق يتفكر في أقاويلهم، فانتهى القول إلى بزرجمهر بن البختكان، فقال أيها الملك أنا جامع لك ذلك في اثنتي عشرة كلمة، فقال: هات، فقال: أولهن تقوى الله في الشهوة والرغبة والرهبة والغضب والهوى، فاجعل ما عرض من ذلك كله لله لا للناس، والثانية الصدق في القول والعمل والوفاء بالعدات والشروط والعهود والمواثيق، والثالثة مشورة العلماء فيما يحدث من الأمور، والرابعة إكرام العلماء والأشراف وأهل الثغور والقواد والكتاب والخول بقدر منازلهم، والخامسة التعهد للقضاة والفحص عن العمال محاسبة عادلة، ومجازاة المحسن منهم بإحسانه والمسيء على إساءته، ؤالسادسة تعهد أهل السجون بالعرض لهم في الأيام لتستوثق من المسيء وتطلق البريء، والسابعة تعهد سبيل الناس وأسواقهم وأسعارهم وتجارتهم، والثامنة حسن تأديب الرعية على الجرائم وإقأمة الحدود، والتاسعة إعداد السلاح وجميع آلات الحرب، والعاشرة إكرام الولد والأهل والأقارب وتفقد ما يصلحهم، والحادية عشرة إذكاء العيون في الثغور ليعلم ما يتخوف فيؤخذ له أهبته قبل هجومه، والثانية عشرة تفقد الوزراء والخول والاستبدال بذي الغش والعجز عنهم ، فأمر أنوشروان أن يكتب هذا الكلام بالذهب، وقال: هذا كلام فيه جوامع أنواع السياسات الملوكية.وكان مما حفظ من كلام أنوشروان وحكمته أنه سثل: ما أعظم الكنوز قدرا، وأنفعها عند الاحتياج إليها؟ فقال:معروف أودعته الأحرار، وعلم تورثه الأعقاب.وقيل لأنو شروان: من أطول الناس عمرا؟ فقال: من كثر علمه فتأدب به من بعده أومعروفه فيشرف به عقبه.وأنو شروان الذي يقول: الإنعام لقاح، والشكر ولادة، والمنعم هو الجاعل. للشاكر إلى شكره سبيلا.وهو الذي يقول: لا تعدن الحرصاء في الأمناء، ولا الكذابين في الأحرا ر.وقال أنوشروان يوما لبزرجمهر: من يصلح من ولدي للملك فأظهر ترشيحه والإيماء إليه، فقال:لا أعرف ولدك، ولكني أصف لك من يصلح للملك: أسماهم للمعالي، وأطلبهم للأدب، وأنجزعهم من العامة، وأرأفهم بالرعية، وأوصلهم للرحم، وأبعدهم من الظلم فمن كانت هذه صفته فهوحقيق بالملك.قال االمسعودي: وقد ذكرنا في كتاب الزلف، الخصال التي يستحق بها الملك من وجدت فيه، وما ذكرنا عن حكماء الفرس وأسلافها في ذلك وغيرها من حكماء اليونانيين كأفلاطون، وما ذكره في كتاب السياسة المدنية وغيره ممن تأخرعن عصره.وذكر عن بزرجمهر أنه قال: رأيت من أنو شروان خصلتين متباينتين لم أر مثلهما منه؟ جلس يوما للناس فدخل رجل من خاصة أهله فنحاه وزيره، فأمر به أن يقام ويحجب عنه سنة لتعديه المرتبة التي رسمت له، وازدياده فيها عن مرتبة غيره في المجلس، ثم رأيته يوما ونحن عنده في سر من تدبير شيء من المملكة، وخدمه خلف فراشه وسريرملكه يتحدثون، فارتفعت أصواتهم حتى شغلونا عن بعض ما كنا فيه، فقلت له وأخبرته بتفاوت ما بين الحالتين، فقال لي: لا تعجب فنحن ملوك على رعيتنا، وخدمنا ملوك على أرواحنا ينالون منا في خلوتنا مالا حيلة لنا معه في الحرز منهم وكان أنو شروان يقول: الملك بالجند، والجند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل، والعدل بإصلاح العمال، وإصلاح العمال باستقامة الوزراء، ورأس الكل تفقد الملك أمور نفسه واقتداره على تأديبها حتى يملكها ولا تملكه.وكان يقول: صلاح أمر الرعية أنصر من كثرة الجنود، وعدل الملك أنفع من خصب الزمان.وكان يقول: أيام السرور كلمح البصر، وأيام الحزن تكاد تكون شهورا.قال االمسعودي: ولأنو شروان سير وأخبار حسان، قد أتينا على ذكرها فيما سلف من كتبنا، وما كان منه في مسيره في سائر أسفاره، وما بني من المدن والحصون، ورتب من المقاتلة في الثغور.
ملك هرمز
مخ ۱۱۸