الأرض عروس مختالة في حلل الأزهار، متوجه بأكاليل الأشجار، موشحة بمناطق الأنهار، والجو خاطب لها، وقد جعل يشير بمخصرة البرق، ويتكلم بلسان الرعد، وينثر من القطر أبدع نثار.
" أبو الفضل بن العميد ": إمام الكتاب في المائة الرابعة، وقال صاحب اليتيمة: أجمع أهل البصرة في الترسل على أن رسالته التي كتبها إلى بلكا عند إستصعابه عن ركن الدولة غرة كلامه، وواسطة عقده منها قوله: كأبي وأنا مترجح حرمة، وتمت بسالف خدمة، أيسرهما يوجب رعاية، ويقتضي محافظة وعناية، ثم تشفعهما بحديث غلو وخيانة، وتتبعهما بأنف خلاف معصية، وأدنى ذلك يحيط أعمالك، ويمحق كل ما يرعى لك، لا جرم إني وقفت ين ميل إليك وميل عنك، أقدم رجلًا لصدمك وأؤخر أخرى عن قصدك وابسط يدًا لإصطلامك وأجتاحك، وأثني ثانية نحو إستبقائك وإستصلاحك، والوقف عن إمتثال بعض الأمور فيك ضنًا بالنعمة عندك، ومنافسة في الصنيعة لديك، وتأملًا لفيئتك وأنصرافك، ورجاء لمراجعتك وأنعطافك، فقد يعزب العقل، ثم يؤب ويغرب اللب، ثم يثوب ويذهب العزم، ثم يعود ويفسد الحزم، ثم يصلح ويضاع الرأي، ثم يستدرك ويسكر المرء ثم يصحو، ويكدر الماء ثم يصفو، فكل ضيقة فإلى رخاء، وكل غمرة فإلى إنجلاء، وكما أنك أتيت من أساءتك ما لم تحتسبه أو لياؤك، فلا بدع أن تأتي من حسناتك ما لا يرتقبه أعداؤك، وكما إستمرت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت وأجترمت، ما إجترمت، فلا عجب أن تنتبه إنتباهة تبصر فيها قبح ما صنعت، وسوء ما دبرت وأبرمت، وسأجري على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح، وعلى الإستياء والمطاولة ما أمكن، طمعًا في إنابتك، وتحكيمًا لحسن الظن بك، فلست أعدم فيما أظاهره من أعذار، وأرادفه من إنذار، إحتجاجًا عليك، وأستدراجًا لك، وأن يشا الله يرشدك، ويأخذ بيدك إلى إصلاحك ويسددك، أنه على كل شيء قدير.
ومنها: وقد هدده وعدد عليه بين نعمة ونقمة، تأمل حالك وقد بلغت هذا الفصل من كتابي والمس جسدك وأنظر هل يحس؟ وجس عرقك وأنظر هل ينبض؟ وفتش ما إنحنت عليه إضلاعك هل تجد فيه قلبك؟ ثم قس غائب أمرك يشاهده وآخر شأنك بأوله.
قال الثعالبي: لغني عن بكار وكان من آرب أمثاله أنه كان يقول: والله ما كان لي عند قراءة هذا الفصل إلا كما أشار إليه الأستاذ العميد، ولقد كفى كتابه عن الكتائب في عرك أديمي واستصلاحي، وردّي إلى طاعة صاحبي.
قال إبن سعيد: هذه الرسالة وأن أطنبوا فيها وجعلها الثعالبي واسطة عقد ترسل إبن العميد، فإنها من طبقة المقبول، ولكن قد خامرها من تغلغل الفكر في ترصيفها، وأثارت ما إنطوت عليه من المقاصد الماثلة بالإسماع ما بالإسماع ما يعلقها بأهداب المطر على الإصطلاح المقرر في هذا الكتاب، وفيها أيضًا من إهمال التقيد بالسجع ما هو خارج عن شرط هذا الكتاب، وليس فيه ما يجري مجراها سواها، والغرض في إيرادها أن يكون عنوانًا عن نمطها، فهي من أرفع طبقاتها، وصاحبها جليل القدر، عظيم الذكر، لا يليق أن يهمل إسمه، ولا يغفل ما يلوح عليه فهمه.
" أبو الفتح بن أبي الفضل بن العميد ": ذكر الثعالبي أن أباه كان قد بالغ في تأديبه وتهذيبه، وجعل عليه عيونًا بالنظر لما يصدر عنه، فاعلم أنه إستدعى من صديق شرابًا ليلة أنس؛ فوجه لذلك الشخص، وأستدعى منه الرقعة التي كتب بها فوجد فيها: قد إغتنمت الليلة أطال الله بقاءك سيدي ومولاي رفدة من عين الدهر، وإنتهزت فرصة من فرص العمر، وأنتظمت مع أصحابي في سلك الثريا، فن لم نحفظ علينا هذا النظام، بإهداء المدام، عدنا كبنات نعش والسلام. فأستطير أبوه فرحًا وإعجابًا بهذه الرقعة، وقال: لآن ظهر أثر براعته، ووثقت بجريه في طريقي، ووقع له بألفي دينار.
" أبو إسحاق الصابي ": مكانته في أئمة الكتاب مشهورة ومعظم ترسله من طبقة المقبول، وكثيرًا ما يمل تقييد السجع، ومما يدخل من ترسله في طبقة المطرب، قوله: هو أخفض قدرًا ومكانة، وأظهر عجزًا ومهانة، من أن تستقبل به قدم في مطاولتنا، أو تطمئن له ضلوع على منابذتنا، وهو في نشوزه عنا وطلبنا إياه كالضالة المنشودة وفي ما نرجوه من الظفر به كالظلامة المردودة. " ومن أخرى ": وقد نزع به شيطانه، وأمتدت في الغي أشطانه.
1 / 3