بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْخَوْفِ.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وبين القبلة أن يصف المسلمين خلفه صفين، فيكبر ويكبرون جميعا، ثم يركعون ويرفعون جميعا، ثم يسجد أول الصف الَّذِي يَلِيهِ خَاصَّةً، وَيَقُومُ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ مُوَاجِهَ العدو، فإذا نهض للثانية سجد الصف المؤخر سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامُوا فَتَقَدَّمُوا إِلَى مَكَانِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ مَكَانَهُمْ، لِتَحْصُلَ فَضِيلَةُ الصف الأول للطائفتين، وليدرك الصف الثاني معه السجدتين في الثانية، وهذا غَايَةُ الْعَدْلِ، فَإِذَا رَكَعَ صَنَعَ الطَّائِفَتَانِ كَمَا صَنَعُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدَ الصف المؤخر سجدتين، ولحقوه في التشهد، فسلم بِهِمْ جَمِيعًا.
وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جهة القبلة فإنه تَارَةً يَجْعَلُهُمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَفِرْقَةً تُصَلِّي مَعَهُ، فَتُصَلِّي مَعَهُ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ رَكْعَةً، ثُمَّ تَنْصَرِفُ فِي صَلَاتِهَا إِلَى مَكَانِ الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى، وَتَجِيءُ الْأُخْرَى إِلَى مَكَانِ هَذِهِ، فَتُصَلِّي معه الركعة الثانية، ثم يسلم، وتقف كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وتارة يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ، وَتَقْضِي هِيَ رَكْعَةً وَهُوَ وَاقِفٌ، وَتُسَلِّمُ قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ، قَامَتْ، فَقَضَتْ رَكْعَةً وَهُوَ يَنْتَظِرُهَا فِي التَّشَهُّدِ، فَإِذَا تشهدت، سلم بِهِمْ.
وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ويسلم بهم ; وتأتي الأخرى فيصل بهم ركعتين ويسلم بهم، وَتَارَةً كَانَ يُصَلِّي بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، ثُمَّ يذهب وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، وَتَجِيءُ الْأُخْرَى، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، فَيَكُونُ لَهُ رَكْعَتَانِ، وَلَهُمْ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا تَجُوزُ الصلاة بها.
قال أحمد: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ تُرْوَى فِيهَا كُلُّهَا جائزة. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ جَوَّزَ أَنْ تُصَلِّيَ كُلُّ طائفة معه ركعة، ولا تقضي شيئا، وهذا مذهب جابر، وابن عباس وطاوس ومجاهد والحسن وقتادة، والحكم، وإسحاق.
وقد روي فيها صفات أخر ترجع كلها إلى هذه، وقد ذكرها بعضهم عشرا، وذكرها ابن حزم نحو خمسة عشر صفة، والصحيح ما ذكرنا، وَهَؤُلَاءِ كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ، جَعَلُوا ذَلِكَ وُجُوهًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ.
1 / 42