الميت، ولم يكن من هديه تعلية القبور، ولا بناؤها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، وقد بعث علي بن أبي طالب «أن لا يَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسَهُ. وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلا سواه» (١) فسنت تَسْوِيَةُ هَذِهِ الْقُبُورِ الْمُشْرِفَةِ كُلِّهَا.
وَنَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عليه، وكان يعلم من أراد - أن يعرف قبره بصخرة، ونهى عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ، وَإِيقَادِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، ولعن فاعله، (ونهى عن الصلاة إليها، «ونهى أن يتخذ قبره عيدا» (٢) .
وَكَانَ هَدْيُهُ أَنْ لَا تُهَانَ الْقُبُورُ وَتُوطَأَ، ويجلس عَلَيْهَا، وَيُتَّكَأَ عَلَيْهَا، وَلَا تُعَظَّمَ بِحَيْثُ تُتَّخَذُ مساجد وأعيادا وأوثانا.
وكان يزور قبور أصحابه للدعاء لهم، وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ الزِّيَارَةُ الَّتِي سَنَّهَا رسول الله ﷺ وأمرهم إذا زاروها أن يقولوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ الله لنا ولكم العافية» (٣) .
وكان يَقُولَ وَيَفْعَلَ عِنْدَ زِيَارَتِهَا مِنْ جِنْسِ مَا يقوله عند الصلاة عليه، فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إِلَّا دُعَاءَ الْمَيِّتِ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ، وسؤاله الحوائج، والاستعانة به، والتوجه إليه عكس هَدْيِهِ ﷺ فَإِنَّهُ هَدْيُ توحيد وإحسان إلى الميت.
وكان من هديه تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أن يجتمع ويقرأ له القرآن، لا عند القبر، ولا غيره.
وكان من هديه أَنَّ أَهْلَ الْمَيِّتِ لَا يَتَكَلَّفُونَ الطَّعَامَ لِلنَّاسِ، بَلْ أَمَرَ أَنْ يَصْنَعَ النَّاسُ لَهُمْ طَعَامًا، وكان من هديه تَرْكُ نَعْيِ الْمَيِّتِ، بَلْ كَانَ يَنْهَى عَنْهُ، ويقول: هو من عمل أهل الجاهلية
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ في صلاة الخوف]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ ﷺ في صلاة الخوف أباح الله له قَصْرَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَعَدَدِهَا إِذَا اجْتَمَعَ الْخَوْفُ والسفر، وقصر العدد وحده إذا كان سفرا لَا خَوْفَ مَعَهُ، وَقَصْرُ الْأَرْكَانِ وَحْدَهَا إِذَا كان خوفا لا سفر معه، وبهذا تعلم الحكمة في تقييد القصر في الآيات
_________
(١) لمسلم عن أبي الهياج قاله.
(٢) لحديث أبو داود بإسناد حسن رواته ثقات.
(٣) مسلم بدون لقط المسلمين.
1 / 41