مختصر زاد المعاد

Muhammad ibn Abd al-Wahhab d. 1206 AH
185

مختصر زاد المعاد

مختصر زاد المعاد

خپرندوی

دار الريان للتراث

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

د خپرونکي ځای

القاهرة

أنه لا يَقَعْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَمْثَالِهَا طَلَاقٌ مَا لَمْ ينوه، وفي سجوده لما سمع صوت البشير دليل أن تلك عادة الصحابة، وهو استحباب سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَالنِّقَمِ الْمُنْدَفِعَةِ، وقد سجد ﷺ حِينَ بَشَّرَهُ جِبْرِيلُ أن مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ لِأُمَّتِهِ، فَشَفَّعَهُ الله فيهم ثلاث مرات، وسجد أبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة، وسجد علي حين وجد ذا الثدية مقتولا في الخوارج، وَفِي اسْتِبَاقِ صَاحِبِ الْفَرَسِ وَالرَّاقِي عَلَى سِلَعٍ دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِ الْقَوْمِ عَلَى الْخَيْرِ، وَاسْتِبَاقِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَنَافُسِهِمْ فِي مَسَرَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. وَفِي نزع كعب ثوبيه وإعطائهما دليل على أن إعطاء المبشِّر من مكارم الأخلاق، وجواز إعطاء البشير جميع ثيابه، واستحباب تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَالْقِيَامِ إليه، وَمُصَافَحَتِهِ فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ. وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يقال: لِيَهْنِكَ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ وَنَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ، فَإِنَّ فِيهِ تَوْلِيَةَ النِّعْمَةِ رَبَّهَا، وَالدُّعَاءَ لِمَنْ نَالَهَا بِالتَّهَنِّي بِهَا. وفيه أن خير أيام العبد على الإطلاق يوم توبته، وقبول الله لها، وفي سروره ﷺ بِذَلِكَ وَفَرَحِهِ بِهِ وَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ في قلبه من كمال شفقته على الأمة. وفيه اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ بِمَا قُدِرَ عَلَيْهِ من المال، وفي قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» دليل على أن من نذر ماله كله يلزمه إخراج جميعه، وفيه عظم مقدار الصدق، وتعليق سعادة الدارين به، وقد قسم سبحانه الخلق قسمين سعداء، وهم أهل الصدق والتصديق، وأشقياء وهم أَهْلَ الْكَذِبِ وَالتَّكْذِيبِ، وَهُوَ تَقْسِيمٌ حَاصِرٌ مُطَّرِدٌ منعكس. وقوله: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧] (١) هَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعَرِّفُ الْعَبْدَ قَدْرَ التوبة، وأنها غاية كمال المؤمن، فإن الله ﷾ أَعْطَاهُمْ هَذَا الْكَمَالَ بَعْدَ آخِرِ الْغَزَوَاتِ بَعْدَ أن قضوا نحبهم، وبذلوا أنفسهم وَأَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ لِلَّهِ، وَكَانَ غَايَةَ أَمْرِهِمْ أَنْ تَابَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ تَوْبَةِ كَعْبٍ خَيْرَ يَوْمٍ مر

(١) سورة التوبة، الآية: ١١٧.

1 / 187