السابعة
ومن مكائدهم أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن في الصحابة وبطلان مذهب أهل السنة، وذلك مثل كتاب (سر العالمين) فقد نسبوه إلى الإمام محمد الغزالي (١) عليه الرحمة وشحنوه بالهذيان، (٢) وذكروا في خطبته عن لسان ذلك الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة، وما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي، وما ذكر في غيره فهو للمداهنة، فقد يلتبس ذلك على بعض القاصرين، نسأل الله ﷿ العصمة من مثل هذا الزلل
الثامنة
ومن مكائدهم أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة أو الزيدية أو نحو ذلك، ويقولون إنه من متعصبي أهل السنة، ثم ينقلون عنه ما يدل على بطلان مذهب أهل السنة وتأييد مذهب الإمامية الاثني عشرية ترويجا لضلالهم، كالزمخشري (٣) صاحب (الكشاف) الذي كان معتزليا تفضيليا، والأخطب الخوارزمي (٤) فإنه زيدي غال، وابن قتيبة صاحب المعارف الذي هو رافضي عنيد (٥)، وابن أبي الحديد شارح (نهج البلاغة) الذي هو من الغلاة على قول، ومن المعتزلة على قول آخر، وهشام الكلبي (٦) الذي هو من الغلاة، وكذلك المسعودي (٧) صاحب (مروج الذهب) وأبو الفرج الأصفهاني (٨) صاحب (الأغاني) وغيرهم، وقصدوا بذلك إلزام أهل السنة بما لهم من الأقوال، مع أن حالهم لا تخفى حتى على الأطفال.
التاسعة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: نحن أتباع أهل البيت الذين قال تعالى فيهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (٩) وغير الشيعة تابعون لغير أهل البيت، فلزم كون الشيعة هي الفرقة الناجية، (١٠) ويؤكدون ذلك بقوله ﷺ: «أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق». (١١)
والجواب أن هذا الكلام قد اختلط فيه الحق بالباطل، والرائج من القول بالعاطل: فإنا نسلم أن أتباع أهل البيت
_________
(١) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، (ت ٥٠٥هـ). وفيات الأعيان: ٤/ ٢١٦؛ سير أعلام النبلاء: ١٩/ ٣٢٢؛ طبقات الشافعية الكبرى: ٦/ ١٩١.
(٢) تردد معاصرو الإمامية في صحة نسبة الكتاب للغزالي كما في الذريعة: ١٢/ ١٦٨.
(٣) ولد سنة ٤٦٧هـ بزمخشر قرى خوارزم، وقدم بغداد وسمع، قال ابن خلكان: «كان إمام عصره وكان متظاهرا بالاعتزال، وله تصانيف بديعة»، وقال عنه السيوطي: «اللغوي المتكلم المعتزلي المفسر»، مات سنة ٥٨٣هـ. وفيات الأعيان: ٥/ ١٦٨؛ طبقات المفسرين: ص ١٢٠.
(٤) كان من غلاة الزيدية، وعده الإمامية من رجالهم فذكره الخونساري، قال الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن علي بن شاذان: «لقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب علي ﵁»، مات الأخطب الخوارزمي سنة ٥٦٧هـ. ميزان الاعتدال: ٦/ ٥٥؛ السيوطي، بغية الوعاة: ص ٤٠١.
(٥) وهو غير ابن قتيبة السني كما تقدم في الصفحة السابقة
(٦) هشام بن محمد بن أبي النضر بن السائب الكلبي، أبو المنذر، مؤرخ وعالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها، قال عنه الإمام أحمد: «كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه»، وقال ابن عساكر: «رافضي ليس بثقة». مات سنة ٢٠٤هـ. الفهرست: ١٤٠؛ وفيات الأعيان: ٤/ ٣٠٩.
(٧) أبو الحسن علي بن الحسين بن علي من ذرية ابن مسعود، قال عنه الذهبي: «كان أخباريا صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وكان معتزليا»، مات سنة ٣٤٥هـ. سير أعلام النبلاء: ١٥/ ٥٦٩.
(٨) أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأموي الأصبهاني، اشتهر بكتابه الأغاني، كان من أهل الأدب والأنساب والسير، اشتهر بتشيعه وكان يأتي بأعاجيب على قول الذهبي، مات سنة ٣٥٦هـ. وفيات الأعيان: ٣/ ٣٠٧؛ ميزان الاعتدال: ٥/ ١٥١.
(٩) وهذه الآية من سورة الأحزاب نزلت في نساء النبي ﷺ وفي مقدمتهن عائشة أم المؤمنين ﵂
(١٠) كذا قال ابن رستم الطبري في آخر كتابه الإيضاح.
(١١) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط وابن عدي في الكامل في الضعفاء. ضعفه ابن كثير في تفسيره وابن حجر في ذخيرة الحفاظ: ٢/ ٢٠٩١. وهو في ضعيف الجامع: رقم ١٩٧٤.
1 / 33