إمارة أبي يحيى زكريا بن ابراهيم الباروني من أمجد أمراء هذا البيت وأعظمهم شأنا وأطيبهم ذكرا الإمام الفحل أبو يحيى زكريا بن ابراهيم بن زكريا بن أبي هارون موسى ابن هارون الباروني . قال الشماخي رحمه الله : هو الغاية القصوى في العلم والعمل والأمر والنهي ، جدد المذهب بعد أن أخلق . إلى أن قال . وفي أيامه رجعت بنو يفرن وككلة وبابل وتاكبال إلى مذهب الوهبية وكانوا قبل ذلك مستاوة وحسنية وخليفة ، أتباع خلف بن السمح وأحمد بن الحسين وعبد الله بن يزيد المستاوي ، وهم أباضيون إلا أنهم أنكروا إمامة الإمام عبد الوهاب الرستمي ، وقد تقدم التنبيه على مبلغ الفرق بين هؤلاء وبين جمهور الأباضية وأن الخلاف سياسي أكثر من كونه دينيا . وقد طابت أيام هذا الإمام وأشرف في قلوب امته حبه وعمهم جميعا عدله وإحسانه وكان رحمه الله ينفق إنفاق من لا يخشى فقرا ويعطي عطاء ولا البرامكة مثله . وذلك من ماله الخاص لا من بيت مال المسلمين . ومن الأمثلة على عظيم كرمه وواسع ثروته أنه في سنة من السنين وزع على جميع أهل الجبل من ككلة إلى لالوت مع كثرتهم يومئذ كثرة تفوق أضعافا مضاعفة سكانه اليوم وزع عليهم لكل نفس أو لكل بيت خمسة دراهم وثمن زيت . وزاره بنو يفرن في هرمه تبركا فلما أرادوا الوداع أعطى لكل واحد منهم عشرة دراهم وقيل قبض لكل واحد منهم قبضة فأراد أن يعطي لحاكمهم عون بن حريز ما بقي فامتنع وقال ما أتيت من بلادي أريد دنيا وإنما أريد أن تدعو لي الله فدعا له . قال الشماخي فبقيت سيادة بني يفرن في ذريته إلى يومنا هذا ببركة الشيخ . ومما ذكره عنه أنه كان بمدرسته ثمانون طالبا يدرسون العلم على نفقته ، وفي إحدى السنوات المجدبة هموا بالرجوع إلى أوطانهم رأفة بالشيخ فعلم بما عزموا عليه فمنعهم منعا باتا وأفهمهم أن الأمر ليس كما يظنون فاطمأنوا ورضوا بالإقامة .
مخ ۵۷