وتصلى الجمعة في الأمصار السبعة خلف كل بار وفاجر، لأنها واجبة هنالك، ولا توجد إلا في ذلك الموضع ، في ذلك الوقت، وهي عندهم واجبة، وقد صلى المسلمون خلف الجبابرة الجمعة، والجمعة لا تكون جمعة إلا بالخطبة والإمام والجهر بالقرآن ما تيسر، وإذا حضر وقت صلاة الجمعة ونودي للصلاة حرم البيع والشراء، ووجبت صلاة الجمعة، ويكون الأذان متصلا بالخطبة، والخطبة متصلة بالإقامة، والإقامة متصلة بالصلاة، والقراءة فيها جهرا، وهي ركعتان، ويسلم ويدعو بما فتح الله، ومن سنن الجمعة الغسل والبخور والغدو إلى الجمعة والإنصات عند الخطبة حتى تنقضي الصلاة، ومن لغا ولم ينصت فلا جمعة له، ولا جمعة على مسافر ولا مريض ولا امرأة ولا عبد ولا صبي، إلا أن يحضروا ذلك فجائز لهم أن يصلوا بصلاة الإمام، ولا يكون المسافر إماما في صلاة الجمعة لأنه لا فرض عليه فيها، ولا يجوز لمن لا فرض عليه أن تؤدى بإمامته فريضة لمن وجبت عليه فريضة، والمقيم أولى بالصلاة في ذلك، والواجب أن يتقدم الأفضل في الجمعة، ومن تكلم في الجمعة والإمام يخطب فعلى قول أنه يبرز من المسجد، ثم يرجع فيبتدئ الصلاة، وقد أبطل ما كان عمله قبل ذلك إذا لغا في الجمعة، وقيل: من لغا فلا جمعة له، وقد قيل يحضر الجمعة ثلاثا، فرجل يحضرها بلغو ولهو فذلك حظه منها، ورجل يحضرها بدعاء فذلك رجل سأل ربه فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل يحضرها بسكون وإنصات فذلك مؤد حقها، ولا تكون الجمعة إلا في الأمصار، وعند أئمة العدل، وحيث تقام الحدود، وما لم يكن إمام عدل صلوا أربعا حتى يكون إمام عدل، أو في المصر الذي تجب فيه الجمعة، والخطبة ليس هي من الصلاة، ولكن الخطبة من شرط الجمعة، لأنها لا تكون إلا بخطبة كما جاءت السنة فانتشروا في الأرض، ومن فسدت عليه صلاة الجمعة في الوقت أبدلها أربعا صلاة الظهر، وإن علم بنقضها بعد الوقت أبدل صلاة الجمعة التي كانت فسدت عليه، ومن فسدت عليه صلاة الجمعة لم يصلها في جماعة أخرى في غير الجمعة، وقيل لا يجوز أن يصلي المقيم -في موضع تصلى فيه الجمعة يوم الجمعة- الظهر وأما المسافر فجائز له لأنه غير مطالب* بها، وقيل في معنى قوله - عليه السلام -: »لا صلاة لمن عليه صلاة« فالمعنى في ذلك إذا صلى صلوات بعد ما يذكر الصلاة التي عليه فإذا صلى بعدما ذكرها صلوات، ففي بدل ما صلى اختلاف، ويعجبنا إذا تطاول ذلك أن يؤخذ له بالرخصة، إذا لم يكن في فعله مخالفا، وأما إذا صلى صلوات ولم يكن ذاكرا لصلاته فلا بدل عليه فيها، ومن فسدت عليه صلاة أبدلها في الوقت جماعة، وإن شك فيها لم يصلها جماعة، وإن لم يذكر أنها فسدت عليه إلا بعد الوقت لم يصلها جماعة، ومن نسي صلاة حتى فات وقتها ثم ذكرها فله أن يصليها جماعة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك من نام عن صلاة حتى فات وقتها جائز له أن يصليها جماعة والله أعلم، ومن نسي صلاة أو نام عنها فإنه يصليها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها، وإن أخرها لم يجز له، وقد قيل عليه الكفارة، وإن كانت فسدت عليه من بعد أن صلاها فهي دين عليه، متى أبدلها سقط عنه أداؤها ولا كفارة عليه، ومن فسدت عليه صلاة في سفر فذكرها في الحضر، أبدلها صلاة السفر حيث انتقضت عليه في السفر كذلك يبدلها، وإن انتقضت عليه صلاة في الحضر فلم يذكرها حتى صار في حد السفر، فإنه يبدلها صلاة الحضر، لأنه قد لزمه ذلك في الحضر، وإن نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر صلاها تماما، وإن نسيها في الحضر فذكرها في السفر صلاها صلاة السفر، لأن ذلك وقتها وفي هاتين المسألتين اختلاف، ويعجبنا أن يصليها تماما، والنية في ذلك أصلي فريضة صلاة الظهر الفائتة أربع ركعات، وأما إذا نسيها في السفر وذكرها فإنه يصليها تماما، والنية في ذلك أن يقول: أصلي لله تعالى فريضة الظهر التي نسيتها في سفري وفاتتني أربع ركعات، ومن أغمي عليه في الصلاة وقد حضر وقتها فإن انتبه صلاها، وإن أغمي عليه أو جن في صلاة قبل وقتها حتى يحضر الوقت وفات، فإنه لا يلزمه من حيث الوجوب ساقط عنه، ويؤمر أن يصلي إذا انتبه، ولم أر ذلك له لازما لأنه لم يخاطب إلا في حال العقل، ولا قلم ضائع العقل ولا بدل، ومن صلى صلاة ناقصة لا يتم حدودها ولا فرائضها، جاهلا لذلك أو متعمدا، كان ذلك عملا لا يثاب عليه، ولا بدل عليه إن تاب، وإن ترك من الحدود شيئا أبدلها، ومن صلى بلا طهارة ولا تيمم أبدل الصلاة إذا وجد الماء، وإن كان واجدا للماء أو التراب وترك ذلك وصلى لزمته الصلاة وكفارتها، والمسافر إذا لم يجد الماء وتيمم وصلى ثم وجد الماء فلا بدل عليه، ومن كان حيث لا يجد ماء ولا ترابا وصلى أبدل إذا وجد الماء، وقيل لا بدل عليه، وهو اختيار الشيخ أبي محمد رحمه الله، ومن صلى بالتيمم لعذر من برد، أو من مرض، أو جدري، أو جراحة ما كانت، ثم قوى وصح فلا بدل عليه، ومن صلى عريانا لعدم الثياب، ثم وجد الثياب فلا بدل عليه، إلا أن يجد في وقت الصلاة، فإنه يبدل الصلاة بالثياب، ومن صلى في ماء أو طين قائما لعذر، ثم قدر بعد ذلك فلا بدل عليه، ومن صلى قاعدا لعذر من مرض أو في بحر وما يمكن عذره ثم قدر بعد فراغه فلا بدل عليه، ومن صلى قاعدا لمرض أو لعلة بعض صلاته ثم وجد قوة فإنه يبتدئ أول صلاته قائما بتمامها، فإن صلى قائما ثم ضعف فإنه يتم ما بقي قاعدا، ولا ابتداء عليه، ومن صلى بالإيماء قائما أو قاعدا من جهة التقية أو لخوف جاز له ولا بدل عليه، وإن أمن في الوقت أبدل صلاته، ومن صلى بالتكبير في المرض أو في الخوف أو في الحرب أو كان هاربا خائفا مطلوبا على دمه فلا بدل عليه بعد ذلك، فإن قدر أن يصلي في وقت الصلاة وأمن من ذلك الخوف في الوقت، فأحب أن يبدل الصلاة في الوقت ولا بدل عليه بعد الوقت، ومن لم يجد الماء لغسل الجنابة إلا ما يجزئه للوضوء فتوضأ وصلى ولم يتيمم فإنه يلزمه البدل لتلك الصلاة، وإن تيمم فلا بدل عليه، والحائض والجنب فلا بدل عليهما إذا صليا بالتيمم من الجنابة والحيض عند عدم الماء، وإن وجدا الماء بعد أن صليا في الوقت لم يلزمهما في الحكم بدل، لرواية عن النبي - عليه السلام - أن التيمم كاف لمن لم يجد الماء، فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك، لأنه فريضة على كل مسلم، والحائض والجنب إذا وجدا الماء بعد أن صليا وقد فات فعليهما الغسل، ولا بدل عليهما بعد ذلك يلزم، وإن أبدلا في الوقت فإني أحب ذلك فلا حكم منى عليهما، ولا بدل عليهما بعد انقضاء الوقت، ومن صلى بثوب نجس أو جنب إذا لم يجد غيره جاز له لا بدل عليه بعد ذلك، ومن كان به كسر وعليه جبائر وهو واجد للماء فتوضأ ولم يمس الماء الجبائر ولا الجارحة لخوف الماء جاز له ذلك، فإن صلى بذلك ولم يتيمم لحال الجبائر ولو فرغت الجارحة فلا بدل عليه، لأنه قد صلى بالماء، والتيمم إنما هو بدل عند العدم للماء، وقد توضأ وهو بمنزلة المعدوم من الأعضاء والله أعلم، والتيمم في ذلك احتياط، والذي يوجب التيمم إذا فرغت الجارحة لعلة يلزمه البدل، والذي يقصر الصلاة في موضع التمام يلزمه البدل والكفارة، والذي يتم الصلاة في موضع السفر يبدل بلا كفارة عليه في ذلك، والنائم عن الصلاة والناسي لها يلزمه البدل في الوقت وبعد الوقت، إذا ذكرها صلاها ولا كفارة عليه، والذي يصلي صلاة فاسدة، أو بثوب غير طاهر أو به نجاسة في بدنه، أو صلى على موضع نجس ولا يدري، فكل ذلك إذا علم عليه بدل الصلاة لذلك ولا كفارة عليه، ويؤمر بالتعجيل في البدل في مقام إن قدر فليبدأ الأول فالأول، ومن ترك صلاته عمدا أو لسكر أو نسيان فذكر ولم يصل فصلى غيرها، فكل صلاة صلاها لم يصح له حتى يصلي تلك الصلاة التي ترك أو نسى، ثم تثبت له ولو تطاول عليه من ذلك الزمان للزمه بدل جميع تلك الصلاة كلها، فكل صلاة فاسدة لعلة من العلل بعد أن صلاها ثم علم فعليه بدلها، وإن لم يبدل ذلك وصلى غيرها من الصلوات الحاضرة جاز له ما صلى ولا بدل عليه، لأنه قد صلاتها وإنما هي فاسدة بعينها لسبب أو لعلة يبدلها سواء كالدين الذي إلى غير حد محدود، والله أعلم.
والذي يجعل شيئا من فرائض الصلاة التي لا يسعه تركها ولا تصلح الصلاة إلا بها، ثم صلى على ذلك فإنه يلزمه البدل والكفارة، ولا يعذر بجهل ركوب ذلك، وقيل إن سنة الفجر إذا فاتت المصلي لما صلى مع الجماعة، فالمستحب له أن يصليها بعد طلوع الشمس في ذلك اليوم، وفي غير ذلك اليوم يصليها، ولو قيل طلوع الشمس والله أعلم.
والمصلي إذا سجد على زورة من دعن أجزأه وإن سجد على زورتين أجزأه هكذا عن الشيخ ابن مالك، وقيل معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: »لا صلاة لمن عليه صلاة« أن معنى ذلك إن كان ناسيا لصلاته أو كانت منتقضة عليه، فصلى بعدها صلوات قبل أن يبدلها أو يصليها، وأما إذا نسي صلاة وصلى صلوات في حال نسيانه، فذلك لا بدل عليه فيما صلى في حال نسيانه، ولو كان ذكرها وقت صلاة قد صلاها، فإنه يصلي الصلاة التي نسيها، ولا بدل عليه في الصلاة التي صلاها قبل أن يذكر صلاته ولو كان وقتها حاضرا هكذا من كتاب منهاج العدل.
الباب الخامس والثلاثون
مخ ۶۱