301

وثالث يراك منهمكا، في طعامك والدهن يسيل من يديك كلتيهما، فيمد يده بورقة «اليانصيب» حتى تحول بينك وبين طعامك، وحتى تكاد أصبعه تفقأ العين «آدي اللي فضلت، السحب النهاردة، اللي تكسب ميتين جنيه!» يا سيدي أنا عائذ بالنبي! وكيف لي بأن أدس يدي في جيبي، وهي على هذه الحالة، لأستخرج الثمن؟

وعلى ذكر «اليانصيب» أذكر لكم أنني كل يوم في مغداي ومراحي أشهد عملاقا صعيديا، تكاد مساحته تقاس «بالقصبة» طولا وعرضا، يستطيع وحده أن يشق مصرفا ويطهر ترعة، وقد أوتي قفا يتحير النظر في ضواحيه، ما رأيته مرة إلا أحسست كفي تنازعني إليه؛ لو ألف من نفسه فقط «منسرا» لقطع الطريق بين القاهرة والأقصر، وأصبحنا لا نبلغ أسوان، إلا عن طريق بور سودان، ولو أن الهر هتلر استولى عليه لكفاه كل من يحذر من خصوم حكمه، ووفر عليه العناء في تأليف فرق للهجوم وأخرى للدفاع، وأعفاه من المئونة في القمصان الزرقاء والحمراء!

أتعرفون بماذا «يسرح» هذا الكون العظيم عامة نهاره؟

إنه يجول كله بثلاث ورقات «يا نصيب»، إحداها «إسلام»، والثانية «رومي»، والثالثة لا أدري!

أرأيتم كيدا أشد من هذا الكيد، وبلاء يعدل كل هذا البلاء؟

سيداتي، سادتي

بحسبنا اليوم هذا القدر في جماعات الباعة المضطربين ببياعاتهم في الطرق، ولنعد الآن إلى طائفة ماسحي الأحذية، وما أدراكم ما ماسحو الأحذية؟ ولا جزى الله خيرا ذلكم الذي اخترع هذه الأحذية الإفرنجية، حتى أغرتنا بأن نستبدل بها نعالنا البلدية، أعني «المراكيب» الحمر.

ورعى الله أيام «المراكيب» الحمر وأيام قصبة رضوان، ولو بقيت لأغنتنا عن رؤية تلك الوجوه في هذا الزمان! (وهنا أورد المحاضر طائفة مما وقع له من النوادر مع ماسحي الأحذية، وبها انتهت المحاضرة.)

إلحاح ...!1

لا أحسب أن الله تعالى بعث خلقا من خلقه أشد إلحاحا من حمالي (شيالي) محطة منيا القمح، ولا أشد إلحافا من ماسحي الأحذية في منيا القمح، تكون في المحطة صاعدا أو هابطا، مسافرا أو مودعا أو مرتاضا، فيتهافت عليك من أولئك الحمالين من لا يحصون كثرة: هذا يحمل الخريطة (الشنطة) الكبيرة، وهذا يحمل الخريطة الصغيرة، وهذا ينتزع منك المعطف (البالطو)، وهذا يسل منك الشمسية، فإن لم تكن فالعصا إلخ، فإن لم يكن معك شيء من ذلك تحككوا بك وجسوا بأكتافهم صدرك وجانبيك معا، فعلة خفية (بوليس سري) يرتاب في أنك تدس في مطاوي الثياب «كوكايين» أو هارويين، لعلهم يصيبون «محفظة جيب» فيحملوها عنك إلى القطار حملا، فإذا أيسوا من هذه الناحية أيضا، سألوك أن «يقطعوا لك التذكرة»، فإذا أسعدك الحظ وكانت معك «تذكرة» ذهاب وإياب، سبقك اثنان منهم ففتحا لك باب المركبة ووقفا على طريقك في انتظار «الأجرة»!

ناپیژندل شوی مخ