299

الباعة الجوالون1 ومساحو الأحذية

سيداتي، سادتي

لعلكم كنتم تتوقعون مني في اليلة أن أتم لكم حديث الأسبوع الماضي، بل لقد استحثني على هذا كثير ممن لهم فتيان ما برحوا في مطلع الشباب، ولكنني، والحمد لله أكره الأثرة لنفسي، ولا أحبها في غيري، وذلك الحديث فوق ما فيه من جفاف أو ما يشبه الجفاف، فإنه مما يعني مباشرة طبقة خاصة من الناس، وإنني لم أنس وعدي لكم أن أداول بين فنون الأحاديث، ففي التلوين والتغيير كما قلت، راحة واستجمام، وأعدكم وعدا صادقا أن أتم ذلك الحديث في نوبة أخرى إن شاء الله .

سأحاضركم الليلة في موضوع لا يمكن أن يرد لأحد منكم على خاطر، وإني لأتحدى من شاء منكم أن يحزر، فإن أصاب فله عندي عشرة جنيهات إزاء جنيه واحد إذا أخطأه الحظ، وهو مخطئه لا محالة.

سيداتي، سادتي

لقد تحديتكم جميعا، وتعرضت لمخاطرة من شاء منكم، في حين لا أعهد في نفسي بعض هذه الجرأة، وليس من عادتي المخاطرة أبدا، والواقع أنه لم يبعثني على هذا ويشجعني عليه إلا أنني أتناول موضوعا لا يمكن أن يخطر ببال أحد، لأنه من التفه والسخف في الحضيض الأوهد، وأنا واثق بأنني حين أباديكم بعنوان هذا الموضوع سيأخذكم العجب، ويتملككم الدهش.

إي والله يا سادة، إني لمحدثكم الليلة عن البياعيين «السريحة»، وعن «البويجية» وكنت والله أحب أن أقرن بهاتين الطائفتين ثالثة الأثافي ألا وهي طائفة سادتنا الشحاذين، ولكن الوقت أضيق من أن يحتمل هذا كله، فللسادة الشحاذين وحدهم حديث طويل، ولعلنا نلم به في فرصة أخرى، إذا أذنوا هم لنا بساعة من النهار أو الليل واحدة، نتدبر فيها أمرهم، ونتقصى بعض سعيهم.

إذن سأحدثكم الليلة عن الباعة المترفقين بأبدانهم المضطربين في السبل ببياعاتهم.

سيداتي، سادتي

أرجو ألا تتابعوا أوهامكم، فهي ولا شك، تكذبكم إذا مثلت لكم هذا الموضوع بهذا المكان من التفه والسخف، وإني لأرغم أنها مسألة ذات خطر كبير، بل لقد أستطيع أن أزعم أنها من مشاكلنا الاجتماعية التي ينبغي أن تتظاهر الجهود على حلها وتوليها بالعلاج، كلنا يفكر في غلاء القمح، وكلنا يتدبر في هبوط أسعار القطن، وكلنا يجزع إذا عرض الحديث في أزمة الديون العقارية، وكلنا مشغول بكيت وكيت من المشكلات التي تستهلك تفكيرنا وجهدنا وتفيض بها الأنهار الطوال في صحفنا، مع أن تلك الأزمات مهما بلغ من بعيد أثرها وعظيم ضررها، فإنها وقتية سيحلها الزمان إذا لم تحلها جهود العاملين، أما هذه فالقضاء الحتم علينا أبد الآبدين، ودهر الداهرين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين!

ناپیژندل شوی مخ