ومنه كلام الذئب إياه، وكلام البعير، وكلام الذراع المسموم حين أتت به امرأة سلام بن مشكم، واسمها زينب بنت الحارث، من اليهود، وقد دعا _صلى الله عليه وسلم_ غير مرة إلى طعام، فدعا جماعات كثيرة مما لا يحتملهم أضعاف ذلك الطعام، فأكلوا منه جميعا وصدروا، فكفاهم في أشياء مثل هذا كثير من الأمور المشهورة عنه _صلى الله عليه وسلم_. وقد علم الموافق والمخالف، والوافر والناقص أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كان من أكمل الناس رأيا، وأصحهم تدبيرا، والمؤمنون يجعلون ذلك من وصفه لباس نبوة خصه الله بها، والملحدون وأهل الملل الزائغة يجعلون ذلك ذريعة إلى وصفه بلطف الحيلة، وشدة التمويه على الناس، وليس يجوز من إنسان عاقل كامل قصده التمويه (¬1) ، كما زعموا أن يؤكد أخباره عن الغيوب فيما لا يأمن أن لا يتفق له الأمر فيه، كما يقول، فيكون ذلك سبب انتقاض أمره، أو يقول لهم الدليل على صحة قولي أن أحدا منكم لا يتهيأ له أن يعارضني على سورة من الكتاب الذي أتيت به، وهو يعلم، ولا يأمن أن ينتدب له بعض الناس فيفضحه ويهتكه، وليس يحمل نفسه على مثل هذا إلا أجهل الناس وأقلهم معرفة؛ وذلك مخالف لصفة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عند كل عاقل، ولو حمل نفسه على ذلك لم تتفق له السلامة في جميع ما وصفنا وعددنا.
¬__________
(¬1) موه الشيء (تمويها) طلاه بفضة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد، ومنه (التمويه) وهو التلبيس وتغيير الحقائق.
مخ ۸۸