فإذا كان الشيطان شريرا بفعله الشر فهرمز أولى بالشر منه؛ إذ خلق رأس جميع الشرور، وسبب جميع القبائح، فإن قالوا: إن هرمزا شرير قبيح بخلقه الشيطان انهدمت جميع أصولهم، وانهدم جميع بنيانهم الفاسد، ويقال لهم: ما يؤمنكم أن هرمزا إذا كان إنما أحدث الشيطان من فكرته، لعله تفكر فكرة مثلها، وألف فكرة؟ ولعل هذه القبائح كلها من فكرة حدثت، فضلا عن أن تكون حدثت من الشيطان، وما يدريكم على هذا المعنى بأن هذه الشرور والقبائح من الشيطان دون هرمز، فإن اعتلوا بالأخبار، وادعوا علم ما قالوا من ذلك أنهم علموه من قبل الأخبار، قيل لهم: فلعل المخبر لكم بذلك كاذب، ولعل ذلك الخبر إنما جاءكم من قبل الشيطان الذي لا يأتي من قبله إلا كل كذب وقبيح، ويقال لهم في قولهم: إنه سوف يفنيه فيما يأتي من الدهر، (¬1)
¬__________
(¬1) - الدهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، وعلى ذلك قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} (سورة الدهر آية رقم 1). ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإن الزمان يقع على المدة القليلة والكثيرة. والدهر عند المتكلمين: لا وجود له في الخارج؛ لأنه عندهم مقارنة عن حادث لحادث، والمقارنة أصل اعتباري عدمي، ولذا ينبغي في التحقيق أن لا يكون عند من حده من الحكماء بمقدار حركة الفلك، وأما عند من عرفه منهم بأنه حركة الفلك فإنه وإن كان وجوديا إلا أن لا يصلح للتأثير.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" (البخاري في الأدب 101، ومسلم في الألفاظ 4، وصاحب الموطأ في الكلام 3). قد قيل معناه: إن الله فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى الله عن ذلك.
مخ ۶۲