ممازجته إياه في زعمهم: أنه كان يلقاه منها في أشياء سخيفة، ذكروها في ممازجة النور للظلمة، وتخليط كثير، وانتشار كثير، كرهت ذكره لقذارته، وقبح التكليم به، يقال لهم: أخبرونا عن ممازجة النور والظلمة، أخير هو أم شر؟ فإن قالوا: خير، قيل: وكيف تكون ممازجة (¬1) الخير للشر خيرا، وإن قالوا: لأنه ولو مازجها بعد ما لم يمازجها هو قادر على التخلص منها فيما بعد، فلما أن كان قادرا على التخلص منها فيما بعد لم تكن ممازجته إياها شرا، وكانت خيرا، قيل لهم: أفليس أن لو لم يمازجها رأسا (¬2) وبقي على حاله الأولى من التخلص والمفارقة، ألم يكن ذلك أصلح له وأولى الأمرين به من ممازجته إياها، ثم هو يطلب المفارقة لها، والتخلص منها بعد الممازجة، وأنتم تزعمون أن فعل الحكمة (¬3)
¬__________
(¬1) - الممازجة: المخالطة، يقال مزج الشراب خلطه، من باب نصر، ومزاج الشراب ما يمزج به، ومزاج البدن ما ركب عليه من الطبائع.
(¬2) - رأسا: أي أصلا، فلم يحدث امتزاج.
(¬3) - ماذا يقصد بالحكمة في هذا الموضع..؟ أيقصد بها العدل، والعلم، والحكم، والنبوة، والقرآن، والإنجيل، ووضع الشيء في موضعه، وصواب الأمر وسداده؟ أم يقصد بها ما في عرف العلماء من استعمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة قدر طاقتها..؟ أم يقصد بها معرفة الحقائق على ما هي عليه بقدر الاستطاعة: وهي العلم النافع المعبر عنه بمعرفة ما لها وما عليها، المشار إليه بقوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}؟ (سورة البقرة: 269).
إننا نرجع أن المقصود بالحكمة: هي معرفة الحقائق على ما هي عليه.
مخ ۴۲