ووضع الرجل البدين منظاره على عينيه، وأخرج المستر بكوك أيضا منظاره، ووقف الجميع في المركبة، وراح كل منهم ينظر من فوق كتف الآخر إلى تدريبات الجنود وحركاتهم.
وكانت حركاتهم مثار دهشة بالغة؛ فقد مضى صف منهم يطلق النار من فوق هامات الصف الآخر، ثم يعدو مبتعدا، وراح هذا يفعل ما فعله الأولون، ثم يسرع مبتعدا كذلك، ثم يؤلف الجمع مربعات منهم، بحيث يقف الضباط في وسطها، ثم ينزلون الخندق من جانب واحد بمدارج خشبية، ثم يصعدون من الجانب الآخر بالوسيلة عينها، ويتقدمون إلى متاريس من السلال، فيقلبونها من مواضعها، وهم في ذلك كله يبدون من الشجاعة والإقدام أروع الأمثلة، وتلا ذلك من إطلاق المدافع الضخمة، وإفراغ كل ما في جوفها لمسح العدو مسحا، ومن الدوي الرهيب قبل إصدار الأمر إلى القوات بالمسير - ما جعل الفضاء يردد أصدية الصرخات المنبعثة من أفواه النساء، حتى لقد بلغ الرعب من الآنستين «واردل» حدا اضطر المستر تراندل إلى إسناد إحداهما في المركبة؛ حتى لا تسقط من موضعها هلعا، بينما بادر المستر سنودجراس إلى إسناد الأخرى، واستولى الفزع على أخت المستر واردل إلى حد مروع، حمل المستر طبمن على تطويق خصرها بذراعه؛ لكيلا تسقط في جوف المركبة. وكان الاضطراب قد ساد الجمع، ما خلا الغلام البدين؛ فقد لبث في نومه هادئا كل الهدوء، كأن قصف المدافع النغمة المألوفة التي اعتاد أن ينام عليها.
وصاح الرجل البدين مناديا: «جو ... جو.» حين اقتحمت القلعة، وجلس المنتصرون والمحاصرون لتناول الطعام، وطفق يقول: «لعنة الله على هذا الغلام، لقد ذهب في النوم مرة أخرى ... تكرم يا سيدي، واعركه في ساقه من فضلك، فلا شيء غير العرك يوقظه ... شكرا لك ... والآن علينا بالسلة يا جو.»
وعندئذ استيقظ الغلام، وما أيقظه حقا غير الشعور بجزء من ساقه منضغطا بين إصبعي المستر ونكل، وراح يثب من فوق المقعد، وأخذ في فك أربطة السلة بسرعة لم تكن منتظرة منه، بعد جموده واستيلاء النعاس عليه.
وقال الرجل البدين: «الآن فلنجلس متقاربين.»
وبعد أن تناول القوم عدة نكات وأمازيح عن حشر أكمام السيدات، واصطبغت الخدود بحمرة الحياء من عدة مقترحات مضحكة، كقول قائل منهم يحسن أن تجلس السيدات في حجور الرجال، انتظمتهم جميعا حلقة في المركبة، وبدأ الرجل البدين يتسلم الأطعمة من الغلام، وكان هذا قد صعد خلف المركبة لهذا الغرض.
وصاح السيد البدين: «الآن يا جو ... علينا بالسكاكين والشوك.» فناوله الغلام إياها، فوزعت على السيدات والسادة في جوف المركبة، وأوتي المستر ونكل القائم فوق مقعد السائق نصيبه من هذه القواطع النافعة.
وعاد السيد البدين يصيح: «جو ... الأطباق!»
وتم توزيع الصحاف بالطريقة ذاتها ...
وصاح السيد البدين: «جو ... الدجاج! لعنة الله على هذا الغلام ... لقد ذهب في النوم مرة أخرى ... جو ... جو!»
ناپیژندل شوی مخ