ولم تكن ترتفع في جنبات الفناء تلك الجلبة التي امتازت بها أفنية الفنادق الكبيرة عادة، ولا بد فيه تلك الحركة الدائبة المعروفة عنها، بل كانت هنالك ثلاث مركبات أو أربع ضخمة، محملة أكداسا من البضائع تلوح تحت أغطيتها الرحيبة، وترتفع إلى ما يقرب من ارتفاع النوافذ في الطبقة الثانية من أي منزل عادي، وهي مصفوفة تحت سقف مرتفع، يمتد على طول الفناء من أحد طرفيه، والغالب أنها كانت على وشك الخروج في ذلك الصباح؛ فقد أخرجت من السقيفة إلى الجزء الفضاء من الفناء.
وحول جانبي الأرض الفضاء كليهما قام صف مزدوج من الدهاليز المؤدية إلى غرف النوم «بدرابزين» قديم مشوه الشكل، كما بدا صفان مزدوجان من الأجراس يحميهما من التقلبات الجوية سقف مغبر منحدر، من تحته باب يؤدي إلى «محل الشراب»، وغرفة القهوة، وقد سبقت عربتان صغيرتان وعربتان أخريان من عربات النقل إلى سقائف صغيرة مختلفة، وبين فترة وأخرى كان يرتفع صوت مركبة قادمة، أو حركة حلقات وسراج في الطرف الأقصى من الفناء، كأنما تعلن من يعنيه الأمر أن الإسطبل قائم في هذه الناحية من الفندق، فإذا قلنا أيضا أن هناك بضعة غلمان في جلابيب فضفاضة بدوا رقودا فوق الطرود الثقال، والرزم الضخمة، وغيرها من البضائع المتناثرة في أرجاء الفناء فوق أكداس من القش، فقد وصفنا بما فيه الكفاية مظهر فناء فندق الأيل الأبيض في «هاي ستريت»، ورسمنا صورته العامة كما كان يبدو في صباح ذلك اليوم الذي نتحدث عنه.
وأعقب ارتفاع صوت أحد الأجراس ظهور وصيفة رشيقة في الردهة العليا لغرف النوم، وبعد أن طرقت إحدى الحجرات وتلقت أمرا ممن فيها، وقفت على رأس السلم تنادي قائلة: «يا سام ...!»
وأجاب الرجل ذو القبعة البيضاء: «نعم!» - «رقم 22 يطلب حذاءه.» - «اسألي رقم 22 هل يريده الآن، أو ينتظر حتى يتلقاه؟»
وقالت الفتاة مداعبة: «هيا ... يا سام ... دع الهزل والمزاح ... العميل يريد حذاءه حالا.»
فأجابها مساح الأحذية: «حسن، أنت شابة لطيفة تصلح للعمل مع فرقة موسيقية ... انظري إلى هذه الأحذية هنا ... أحد عشر زوجا ... ونعل لرقم 6 ذي الساق الخشبية، والأحد عشر زوجا مطلوبة في الساعة الثانية والنصف، والنعل في التاسعة ... فمن هو رقم 22 حتى يتقدم الباقين جميعا ... لا ... لا ... كل إنسان بدوره ... كما قال «جاك كش» حين راح يشد وثاق الجمع واحدا بعد الآخر، آسف يا سيدي لأني جعلتك تنتظر ... ولكني قادم إليك حالا ...»
وأقبل المساح على عمله، وكان يمسح حذاء طويلا، وهو يضاعف نشاطه.
وتردد صوت جرس آخر عاليا، وظهرت ربة الفندق العجوز الكثيرة الحركة في الدهليز المقابل، وصاحت قائلة: «يا سام ... أين ذلك البليد الكسول ... آه ... ها أنت ذا يا سام ... لماذا لا ترد؟»
قال بخشونة: «ليس من حسن الذوق أن أرد حتى تنتهي من الكلام.»
قالت: «اسمع هنا ... امسح هذا الحذاء لرقم 17 حالا، وأحضره إلى قاعة الجلوس الخاصة رقم 5 في الدور الأول.»
ناپیژندل شوی مخ