وقد رد صبري أبو علم على وجهة نظري ردا ارتكن فيه على المعاهدة، واشترك بعض الأعضاء في المناقشة، ثم قدمت اقتراحا هذا نصه: «أقترح أن يقرر المجلس أن يطلب من الوزارة الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين لم يثبت التحقيق اتهامهم بأي تهمة قانونية وأن يحيل إلى المحاكمة من أثبت التحقيق إدانتهم قانونا.»
فرد صبري أبو علم على هذا الاقتراح بأنه غير دستوري، بحجة أنه تكليف من المجلس للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراء معين، وأن هذا يحل أحد المجلسين محل الحكومة في مباشرة سلطتها التنفيذية وهذا إخلال بمبدأ فصل السلطات.
فأجبت بأن المجلس سار على قاعدة مطردة منذ سنة 1924 إلى الآن وهي أن يقبل الاقتراحات برغبات.
واقترح بعض الشيوخ الوفديين إقفال باب المناقشة والانتقال إلى جدول الأعمال. وتقدم اقتراح ثالث من الشيخ حسن عبد القادر بإحالة الاستجواب إلى لجنة الشئون الدستورية لإبداء رأيها فيه وبحثه من الوجهة الدستورية وتقديم تقريرها للمجلس في ظرف أسبوعين، وقد أجل أخذ الرأي في الاقتراحات الثلاثة إلى جلسة تالية. وبهذه الجلسة (9 يونيو سنة 1942) وافقت الأغلبية على «الانتقال إلى جدول الأعمال ...» (1) استجوابي عن الخبير الاقتصادي البريطاني (يونيو-يوليو سنة 1943)
عينت وزارة الوفد في مايو سنة 1943 المستر جيمس باكستر الاقتصادي البريطاني خبيرا ماليا للحكومة المصرية في المسائل المالية والاقتصادية بعقد لمدة ثلاث سنوات، وكان أمين عثمان باشا وزيرا للمالية في ذلك العهد.
فتقدمت في 5 يونيو سنة 1943 إلى رئيس الوزارة باستجواب عن مسوغات هذا التعيين وأسبابه وظروفه وملابساته، ومبلغ الحاجة إليه، وعن راتبه ومدى سلطته الرسمية وغير الرسمية وأثره في سياسة مصر الاقتصادية والمالية الحالية والمستقبلة.
نظر هذا الاستجواب بجلسة 15 يوليو سنة 1943، وكانت آخر جلسة للدورة البرلمانية. فلما شرعت في شرح استجوابي طلب مني بعض الأعضاء الوفديين أن أنتظر حتى أسمع رد رئيس الوزارة (النحاس باشا) ثم أتكلم بعده، فقلت لهم إن الوضع السليم أن أتكلم أولا ثم يرد رئيس الوزارة، وتمسكت بحقي في الكلام أولا مستندا إلى اللائحة الداخلية، فأجاب المجلس طلبي على مضض، وأخذت في شرح الاستجواب، وموجز أقوالي أن تعيين هذا الموظف المالي الكبير البريطاني قوبل بالدهشة وأن ما يوحي به هذا التعيين أن ليس لدينا خبير أو خبراء ممتازون فنيون في المسائل الاقتصادية والمالية، مع أننا خطونا في الثلاثين سنة الماضية خطوات واسعة في هذا الميدان وتكونت في البلاد فئة ممتازة من الخبراء الاقتصاديين والماليين، أفلا يوجد رجل واحد في هذه الفئة يمكن للحكومة أن تسترشد بخبرته الاقتصادية والمالية في المشاكل التي نشأت عن الحرب والتي ستنشأ بعد انتهائها؟ واستطردت إلى أن المسائل المالية والاقتصادية ليست مسائل فنية فحسب، وإنما هي أولا وقبل كل شيء مسائل قومية قبل أن تكون فنية، وأن الفن فيها يجب أن يكون في خدمة الأغراض القومية، وهي مرتبطة بما يسمى الاستقلال الاقتصادي للبلاد، وكلها ترجع إلى هذا الأساس لأنه لا يصح مطلقا أن تعتبر مصر سوقا دولية. وبعد أن شرحت هذه الفكرة انتقلت إلى فكرة أخرى وهي أن هذا التعين بالذات هو نوع من أنواع الغزو السلمي
pénétration pacifique
قد تكون له نتائج أخطر من الغزو المسلح؛ لأن الغزو السلمي يسير في شيء من الهوادة والاطمئنان وعدم المعارضة وربما يؤدي إلى تدخل دولة أجنبية في شئون الدولة.
وقد أثارت هذه الملاحظة اعتراضات بعض الشيوخ الوفديين، وصاح أحدهم (محمد المغازي عبد ربه باشا ...) قائلا في حدة: «لقد استنار المجلس وكفى!»
ناپیژندل شوی مخ