وإذا كان في هذا الثبات شهادة للتعاون؛ فإن فيه أيضا شهادة لذلك الرجل الثابت على مبدئه التعاوني ودلالة على متانة خلقه وشدة وفائه، وقد يتعدد الأصدقاء ويتفاوتون مودة وإخلاصا، ولكن أفضلهم وأبقاهم هو الصديق القديم، فهنيئا للتعاون هذا الصديق.» ثم أوردت المجلة نص كلمتي بالمجلس، وعلقت عليها بقولها : «هذا ما قاله الأستاذ الكبير الرافعي بك في التعاون وضرورة العناية به، وإنا لنرجو أن يكون لكلامه صدى تردده الأرجاء حتى تحظى الحركة التعاونية بالرعاية الواجبة لها والتي لا يمكنها من دونها أن تنهض وتؤتي ثمارها اليانعة، وقليل بعد ذلك أن نوجه عبارات الشكر إلى صديقنا بل صديق التعاون الوفي، ولكنه شكر تاريخ الحركة التعاونية في هذه البلاد الذي سوف يسجل له بأحرف من نور.»
ولمناسبة الرد على خطاب العرش سنة 1942 عرجت في كلمتي التي ألقيتها بجلسة 9 ديسمبر من تلك السنة على التعاون وقلت: «أظن أن حضراتكم سمعتم مني غير مرة كلاما عن مسألة التعاون ربما إلى درجة الإملال، لقد تكلمت عن التعاون وتأييد النهضة التعاونية، وكلامي المتكرر في هذا الموضوع لم يكن بدون مقتض؛ فالظروف أثبتت أن التعاون من أهم الأسلحة لمكافحة الغلاء وسهولة التوزيع؛ ولذلك رأينا، والحمد لله، نهضة طيبة في إنشاء الجمعيات التعاونية، ونهضة من الوزارة بمعاضدة هذه الجمعيات. ولكن الذي أرجوه بإلحاح من الحكومة أن تعنى عناية خاصة بالرقابة على هذه الجمعيات على أحسن وجه؛ فإن إهمال الرقابة يؤدي إلى تدهور الجمعيات بمرور الزمن، والرقابة تكون بزيادة عدد الموظفين المراجعين لحساباتها والمفتشين على أعمالها، يجب أن تقوى «مصلحة التعاون» التي تقوم بهذه الرقابة، ويجب على وزارة التموين أن تمد الجمعيات التعاونية بطلباتها في كل شيء لأن إمداد هذه الجمعيات بكل طلباتها من جميع المواد يساعدها على نمو أعمالها ويزيد الجمهور إقبالا عليها، لأني أخشى إذا ما تراجعنا في إمدادها وتراخينا في إجابة طلباتها أن يحدث رد فعل سيئ الأثر ويؤدي إلى تعثر الحركة التعاونية لا سمح الله.»
أول مؤتمر للتعاون (5 يونيو سنة 1943)
في سنة 1943 أعدت مصلحة التعاون مؤتمرا عاما للتعاون، واختارت لإقامته مدينة المنصورة باعتبارها عاصمة الدقهلية التي تعد من أولى المديريات في الإقبال على الحركة التعاونية، وقد ساهمت في هذا المؤتمر لأنه من الوسائل العملية الفعالة في النهوض بالتعاون والدعاية له وترغيب الناس فيه.
رأس المؤتمر فؤاد سراج الدين وزير الشئون الاجتماعية وقتئذ ودعاني إلى حضور المؤتمر فلبيت الدعوة لأنها قامت على أساس النهوض بنظام ساهمت فيه منذ الساعة الأولى، وحضر المؤتمر أيضا وزير آخر من وزراء الوفد وهو المرحوم الدكتور عبد الواحد الوكيل بك وزير الصحة.
أقيم المؤتمر في سينما «ركس» بالمنصورة بالسكة الجديدة، وكان المكان غاصا بالمدعوين من كبار الأعيان والموظفين والمثقفين من مختلف الطوائف. وكان من خطبائه مدير الدقهلية وقتئذ محمود حسيب بك، وقد أشار في خطبته إلى من خدموا التعاون في مصر، وذكرني منهم، فما إن سمع الجمهور اسمي حتى ضج المكان بالتصفيق الحاد المتكرر حتى اضطررت أن أقف وأشكرهم مبتسما، فزاد التصفيق حدة وتكرارا، فاغتبطت في خاصة نفسي لهذه الظاهرة المفاجئة، وعلمت أن منزلتي في النفوس أكبر مما ظننت، وأنه لا يجوز للمجاهد أن ييأس من أن هذه الأمة تقدر يوما عمله وجهاده.
قانون التعاون سنة 1944
وقد أدت بحوث مختلف اللجان إلى وضع قانون جديد للتعاون وهو القانون رقم 58 لسنة 1944، وكنت مقررا لهذا القانون عند نظره في مجلس الشيوخ، وقد دعا إلى وضعه ما ظهر من التجربة من وجوب إدخال تعديلات جوهرية على قانون سنة 1927 تمشيا مع التطور الحديث وتيسيرا للجمعيات التعاونية وتنظيما لأعمالها وتعضيدا لها في القيام بمهمتها، وأدمجت هذه التعديلات في نصوص هذا القانون بحيث صار قانون سنة 1944 هو القانون الشامل لأحكام التعاون. (8) اعتذاري عن الاستشارة (نوفمبر سنة 1932)
في سنة 1932 عندما عين مصطفى الشوربجي بك ومحمد زكي علي بك «باشا» مستشارين بمحكمة الاستئناف، أفضى إلي المرحوم فؤاد بك حمدي بأن علي ماهر باشا وزير العدل وقتئذ يسره أن يعينني مستشارا، وقال لي: إذا كنت تقبل هذا المنصب فإني مبلغ جوابك إلى ماهر باشا، فأعربت له عن رغبتي في بقائي محاميا ورجوته أن يبلغ ماهر باشا شكري وتقديري لثقته في. وكان فؤاد بك يميل في خاصة نفسه إلى أن أبقى كما كنت لأنه لم يكن يريد لي أن أتخلى عن مهمتي في الكفاح الوطني، ولكنه أبلغني هذه الرغبة إبراء لذمته ولكي يستشف من جوابي إذا كنت قد تعبت أو سئمت من الكفاح فأستريح في ظل هذا المنصب القضائي، فقلت له إني على الرغم مما لقيته وألاقيه لم أتعب بعد ولم أسأم بعد. فقال لي: ولكن ألم تشهد خذلان الأمة لنا في كفاحنا على طول الخط؟ قلت: نعم، إني عالم بهذا الخذلان، وقد عانيت منه أكثر من سواي، وأنا لا ألوم من يقبل أي منصب في هذه الظروف، ولكني شخصيا أود الاستمرار في الكفاح. وطلب مني زكي بك بحضور فؤاد بك حمدي إذا كنت أشعر يوما ما بحاجتي إلى الراحة من عناء هذا الكفاح أن أبلغهما رغبتي في هذا الصدد لكي يهيئا لي السبيل لتعييني مستشارا دون أن يكلفاني أي إجراء يقتضيه هذا التعيين، فشكرتهما ووعدتهما بذلك وحفظت لهما هذا الجميل، على أني رغبت في خاصة نفسي ألا تلجئني الظروف إلى طلب الراحة من هذا العناء. وكان مما قوى في نفسي فكرة الاعتذار عن عدم قبولي هذا المنصب القضائي الممتاز أنني كنت بسبيل تأليف الحلقات الباقية من «تاريخ الحركة القومية» ولم يكن صدر منها حتى ذلك الحين سوى الأجزاء الثلاثة الأولى، وكنت ولم أزل أرى أن القاضي يجب أن يكون بعيدا عن السياسة عملا وتأليفا؛ فكيف أتولى منصب القضاء وأخرج من آن لآخر مؤلفا في التاريخ القومي لا بد أن يتناول حالة مصر السياسية من شتى نواحيها؟! لقد شعرت بالتعارض بين العملين؛ حقا إن للقاضي أن يجمع بين القضاء والتأليف، ولكن في المسائل القانونية، وإذا أراد أن يتجاوزها فليكن ذلك في المسائل العلمية أو الاجتماعية، أما السياسة فلا أرى أن يخوض القاضي غمارها بأي شكل إيجابي لأن القضاء يجب أن يكون بمنأى عن السياسة وعواطفها وخلافاتها، ولا يمكن لمن يكتب في السياسة ألا تكون له ميول سياسية واضحة يحسن بالقاضي أن يكون بعيدا عنها؛ فاشتغالي بتأريخ الحركة القومية كان من أهم الأسباب التي صرفتني عن قبول مناصب القضاء. ومن جهة أخرى فقد كنت في ذلك العام أقوم بطبع كتابي «عصر إسماعيل»، وقد ظهر فعلا في أواخر ديسمبر سنة 1932، وكنت أتوقع أثناء طبعه ألا ينال رضاء المغفور له الملك فؤاد، فرأيت حرجا في أن يصدر المرسوم الملكي بتعييني مستشارا وبعد شهر أو شهرين أخرج كتابا فيه هذه المآخذ على والد الملك الذي يصدر هذا التعيين، لم أرتض لنفسي هذا الموقف؛ إذ لم أجد فيه شيئا من اللياقة. (9) اعتذاري عن الوزارة (نوفمبر سنة 1940)
ألف حسين سري باشا وزارته الأولى في 15 نوفمبر سنة 1940 عقب وفاة المرحوم حسن صبري باشا رئيس الوزارة السابقة، وقد ألفها من المستقلين والأحرار الدستوريين ووزير اتحادي، وعرض علي أثناء تأليفها أن أشترك فيها كوطني، فاعتذرت وعرضت الأمر على اللجنة الإدارية للحزب الوطني فأقرتني على اعتذاري.
ناپیژندل شوی مخ