كان ذلك في يناير عام 1923، وهنا يجدر بي أن أنوه باكتشاف وفقت إليه! ذلك أن صديقي بديع خيري كان إلى هذا التاريخ زجالا فحسب، ولم يكن قد اشتغل بالتأليف بعد. فلما وجد مني اهتماما بالبحث عن رواية أقابل بها المنافسين المستجدين، تقدم إلي في حيائه المعروف وهو يقول بأنه انتهز بعض فرص الخلو من العمل واشترك مع شقيقي الأصغر في وضع رواية «على قد الحال».
اتهمت بالكسل صداقة فنية
وقد عرفت منه فيما بعد ما أقصه عليك أيها القارئ فيما يلي:
كان أخي الصغير صديقا حميما لبديع. وكان كل منهما يخلص الود لصاحبه، وقد تآلفت روحاهما، واتحدت أفكارهما، فكان الواحد منهما يجد في زميله الأخ الشقيق لا مجرد صديق.
وقد ظن الاثنان أن في مقدورهما أن يخلقا من نفسيهما مؤلفين، ولكن واحدا منهما لم يطلعني على هذا السر الدفين.
ومن ثم راحا يعملان فيما بينهما، فوفقا إلى رواية فرنسية اسمها «الفانوس السحري، أو علاء الدين» وهي إحدى قصص «ألف ليلة».
فلما انتهيا منها، رغبا أن يبرهنا على قدرتهما بطريق غير مباشر، ولذلك لم يعرضا روايتهما علي بل راحا «يسرحان» بها على الفرق الأخرى لعل واحدة منها تضع في عينها «حصوة ملح»، وتشتري الرواية. وفي ذلك البرهان القاطع الذي يقدمانه لي، ويحملاني به على الإقرار لهما بأنهما مؤلفان لا يشق لهما غبار!
على أن الفرق التي قصدا إليها السيدان المؤلفان لم تر في الرواية رأيهما، فلم تقبل إحداها الشراء!! كما أن بديعا وأخي لم يجرآ على مفاتحتي في الأمر، ومن ثم أودعا الرواية في المهملات بمنزل الأستاذ بديع، وأبقياها كهدية منهما إلى جياع الفيران، إذ لم تحن الفرصة لبعثها!
ومضت السنوات على ذلك إلى أن عادت الفرقة من سوريا - وكنت كما قدمت - في أشد الحاجة إلى رواية أقابل منافسي. فتقدم إلي الأستاذ بديع «باقتراحه المتواضع» الذي سبق بيانه!
اطلعت على الرواية فوجدتها من «حسبة 25:30 منظرا» ومع أنها كانت كلعب الأطفال أو عبث المبتدئين، إلا أنني أحسست فيها ثمرة يمكن اجتناؤها وأساسا يصح البناء عليه، وإذ ذاك اشتركت مع بديع في «توضيبها»، وصبها في القالب المرضي الذي يضمن لها النجاح المنشود، وكان أن أطلقنا عليها اسم «الليالي الملاح». وكان هذا أول عهد بديع بالتأليف الروائي، ومن ذلك اليوم سار ملازمي في كل ما نضع للمسرح من روايات.
ناپیژندل شوی مخ