اعتذرت أولا عن قبوله ثقة مني بأنه أكبر من أن أستطيع إجادته. ولكن اعتذاري هذا رفض رفضا باتا، لا لاعتقاد الفرقة بقدرتي، بل بحجة أنه لا يوجد ممثلون يكفون لأداء أدوار الرواية. يعني يا سي عزيز عيد، أروح أنا في ستين داهية علشان حضرتك مش لاقي ممثل يعمل «برجيه»؟!
اعتذرت عن قبول الدور الذي أسنده إلي عزيز عيد، وهو دور برجيه، وتوسلت أن يعفوني من أدائه، ولكن لم تفد توسلاتي واسترحاماتي، فرأيت ألا بد مما ليس منه بد. فقبلت الدور مرغما وذهبت إلى المنزل فأغلقت على نفسي الحجرة، ورحت أرسم له شخصية أؤديه بها. ووقفت أمام المرآة ألقي جمل الدور واحدة إثر أخرى، وأرقب ما يرتسم على وجهي من تعبيرات، متلمسا السبيل إلى إجادتها، ولكن ... والحق أقول، أحسست نفسي سمجا ثقيلا.
أخيرا جددت الاعتذار لعزيز عيد، فأمعن في الرفض، وكنت كلما اقترب اليوم المحدد للافتتاح ازداد خفقان قلبي، و«تلخلخت ركبي»، وركبني مائة عفريت وعفريت.
ساقط ساقط!
تصور أيها القارئ العزيز جبانا داخل اليأس قلبه واحتل فؤاده! لقد كان هذا حالي ليلة البدء بالتمثيل، فدخلت حجرة المكياج وأتممت تلوين وجهي، كي أظهر بمظهر العجوز الشيخ «برجيه» الله يمسيه بالخير. واعتزمت - مادام ساقط ساقط - أن أغامر، وأن أخدها بالعريض، وأطلع فيها مرة واحدة. وخليه سقوط بالشرف:
وإذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تكون جبانا!
اقتحمت المسرح وتشجعت وأديت الدور. ولشد ما كانت دهشتي حين سمعت أرجاء الصالة تضج بالضحك ويتجاوب التصفيق جوانبها!؟
لم أكن أصدق أنني أنا الذي أنتزع هذا الضحك وذاك التصفيق من الجمهور. وأنه لابد وأن يكون غيري مصدرهما، فنظرت خلفي وإلى جانبي لعل ممثلا مختبئا يضحك الناس دوني، ولكن لم أجد!
ولست أغالي حين أعترف من غير تواضع، والأجر على الله، بأن دوري فاز بقصب السبق وأن إخواني، مع أنهم كانوا أبطال الكوميدي في مصر، وعماد الفكاهة فيها، لم ينلهم مثل ما نالني.
ناپیژندل شوی مخ