مذکرات هدی شعراوي

هدی شعراوی d. 1367 AH
94

مذکرات هدی شعراوي

مذكرات هدى شعراوي

ژانرونه

وقد وصل عدلي باشا في اليوم الثاني لهذا اللقاء بعد أن قام بواجبه نحو بلاده، ولكن للأسف لم يقدر الشعب المصري جهود رجاله المخلصين. وقام سعد يرمي عدلي بالخيانة، فكتبت إليه خطابا أرجوه فيه عدم استعمال الكلمات الجارحة في انتقاده، لا سيما أن عدلي لم يسئ إليه بقول أو بإشارة في خطاباته. فوعدني أنه سيلطف من حدته لإرضائي. ولكن للأسف وجدته غير قادر على كبح جماح نفسه في مهاجمة عدلي بمختلف الطرق المبتكرة المنظمة، ثم أرسل لي يقول: «لقد تبعت مشورتك، ولعل كلامي قد أعجبك.» ففهمت أنه يتهكم علي، ولم أرد عليه.

وقد بقي هذا الصراع بعد ذلك بين سعد وعدلي وثروت وأصحابهم، حتى انتهت المسألة بنفي سعد باشا إلى سيشل، فحرك فينا هذا التصرف شعور الثورة بعد أن كنا نستهجن خطة سعد وأصحابه وتهريج أتباعه، فقمنا نحتج على نفيه ونطالب بإعادته لبلاده، وعقدنا الاجتماعات تلو الاجتماعات، بعضها في منزل أحمد بك أبو إصبع وبعضها الآخر عندي. وقد أقسمنا على أن نقاطع الإنجليز والتجارة الإنجليزية. وكان أعضاء الوفد من الرجال قد قرروا أيضا القيام بمثل هذه المقاطعة، ولكنهم تلقوا تهديدا بالنفي فلم يجرءوا على تنفيذها، واكتفوا بأن أرسلوا إلينا يوم اجتماعنا خطاب شكر وتشجيع.

كذلك فقد فكرنا ذات يوم من الأيام في إرسال نجدة لخلاص سعد باشا وإعادته إلى مصر، وبحثنا الموضوع والأساليب التي تؤدي لنجاحه، ولو ترتب على ذلك نفينا نحن أيضا، وقد وجدنا أن الطريق بعيد والمسالك وعرة، فضلا عن أننا لم نتعود القيام بمثل هذا العمل الخطر، فقررنا الاكتفاء مؤقتا بالدعاية لمقاطعة البضائع الإنجليزية وإنماء روح الثورة في نفوس المصريين، وصرنا نعقد الاجتماعات المتوالية في منزل سعد وفي منزلنا، ونحرص على مواساة زوجته المسكينة في هذه المحنة.

الثورة والاحتجاج

ولقد كان الإنجليز في تلك الأثناء قد وجهوا إلى سعد باشا زغلول إنذارا بالكف عن العمل في السياسة، وبالبقاء في بلدته بعيدا عن كل نشاط سياسي. وقد رد سعد باشا على الماريشال اللنبي برسالة مقتضبة قوية الحجة قال فيها: «لقد اختارتني الأمة للمطالبة باستقلالها، ولا أعترف لغير الأمة بسلطة إعفائي من هذه المهمة، وللقوة أن تصنع بي ما تشاء.»

وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الجمعة 23 ديسمبر 1921، اقتحمت فصيلة من الجنود الإنجليز بيت الأمة، واعتقلت سعدا، وذهبت به إلى جزيرة سيشل التي اختارها الإنجليز منفى له ...

ولم تكد هذه الأخبار تعرف وتنتشر، حتى نشبت الثورة واندلعت نيرانها في القاهرة، وتأججت منتقلة إلى الوجه البحري والوجه القبلي إلى أن عمت مصر كلها.

وقد سار الشعب رحلة شديدة المراس في جهاده ضد الإنجليز وكان جهادا مليئا بأعمال البطولة، وجدير بالذكر أنه على إثر قيام الثورة، اتحدت الصفوف من جديد، وزالت الخلافات الحزبية، وأصبح المصريون جميعهم رجلا واحدا في الكفاح والجهاد.

ولقد كانت المظاهرات الصاخبة تجتاح كل نواحي القاهرة وتحتشد في الشوارع والميادين، وكانت هذه المظاهرات تواجه بأزيز رصاص الجنود البريطانيين ووقع حوافر فرسان الجيش الإنجليزي وعلى ظهورها الضباط والجنود وقد لمعت سيوفهم في محاولة لإخماد ثورة الشعب، فلا يجدون من المتظاهرين إلا كل أنواع البطولة والبسالة، رغم العشرات الذين كانوا يهوون تحت سنابك الخيل أو يسقطون قتلى بالرصاص.

وخلال هذه الملحمة الشعبية الهائلة، كتبت هذا الاحتجاج الذي هو أقرب ما يكون إلى الإنذار، وبعثت به إلى الماريشال اللنبي في 25 ديسمبر 1921، نيابة عن السيدات المصريات:

ناپیژندل شوی مخ