110

معاویه بن ابی سفیان

معاوية بن أبي سفيان

ژانرونه

إذا روجعت تلك الحقائق في ميزان التاريخ فقد ذهب من الكفة كل ما زيد عليها في إبان الدولة، وكل ما علق بها من تواطؤ الزمن وتكرار العادة، وكسل السامع من مشقة المراجعة، وانتزاع الفكر مما ألفه ولم يألف سواه ... لقد تمهدت لمعاوية أسباب لم تتمهد في عصره لأحد غيره من قبل الإسلام، وفي صدر الإسلام، إلى أيام عثمان.

ولم يكن مفرطا أو عاجزا؛ فلم يضيع ما تمهد له بعجلة لا تؤمن عاقبتها، أو بتقصير عن الفرصة في أوانها، وكان له دهاء وحلم، وكان فيه طموح واعتداد بالنفس وسمة من سمات الرئاسة ...

وكان له من كل أولئك قدره الذي أعانه على مقصده كما أعين بغيره، فكان في يديه من المال والجند وسلطان الولاية ما لم يكن في يدي أحد من نظرائه ومنازعيه، ولولا ذلك لما أفاده دهاؤه مع أعوانه من الدهاة؛ لأنه لم يغلبهم بعقل غالب، ولم يصرفهم عن مقصدهم إلى مقصده، بل خدمهم وخدموه، ولو لم يكن عنده ما يطلبونه لخدموا غيره أو نازعوه على سواء، وربما نازعه بعضهم على رجحان.

وكان له حلم أوشك أن يحرمه عزة الرئاسة، ولكنه حلم من لا يغضب، وليس بحلم من يغضب ويملك عنان غضبه، فسيان أن يركب غضبه بعنان أو بغير عنان، فإنه في غنى عن قوة الساعد مع مطية لا تثور ثورة الجماح في كل حين.

وكان له طموح إلى السيادة، ولكنه طموح الألفة والعادة، ورثه مع جاه الأسرة ولم يخلق فيه بتلك الخليقة «الحيوية» التي يطبع عليها العصاميون، فكأنما هي جزء من التركيب وليست وجاهة من وجاهات البيت العريق يطلبها كما يطلب الميراث.

وإذا وزنت قدرة معاوية بميزان النجاح حصل من نجاحه في كفة الميزان حاصل قليل، يهون شأنه مع أثقال الكفة الأخرى من الجهود والشواغل والهموم.

فقد أراد الملك له ولبنيه، ولم يرده لبني أمية أجمعين؛ لأنه فرق بينهم ما اجتمع، وأغرى أناسا منهم بأناس، ولم يعمل عمله إلا ليتركه من بعده لعشيرته من بني سفيان، فلم يخلفه من ذريته غير يزيد، وذهب يزيد في عنفوانه بداء الجنب فلم يخلفه أحد من ولديه.

وتبعة معاوية في عاقبة ولي عهده الذي خرق الخوارق من أجله أعظم جدا من مسعاته في توريثه الملك، وتوريث أبنائه من بعده، فقد جنت عليه تلك الخليقة الأموية، فلم يعرف من البر بالأبناء غير الإملاء لهم في النعمة والمتاع، وما كان يزيد ليقصد في مطامعه ومناعمه، وهو ينظر إلى قدوة سبقته إلى تلك المطاعم والمناعم، وسبقته إلى تدبيرها له كلما استعصت عليه، ولو لم تكن من الشهوات التي يقضيها الآباء للأبناء.

إن ذات الجنب مرض من أمراض الكبد، وأمراض الكبد قضاء حتم على المنهوم بطعامه، والمفرط في شهواته، وقد صنع معاوية ليزيد هذا وصنع له ذاك: صنع له عدة النعمة والمتعة، ووضع له عدة الملك والسلطان، وما يحسب له من هذا دون ما يحسب من ذاك.

وخرج معاوية من الملك بالأيام التي قضاها في نعمته وثرائه، ولا نقول في صولته وعزه، فقد كان يذل لكل ذي بيعة منشودة ذلا لم يصبر من بايعوه على مثله، ولو وزن ما احتمله في سبيل بيعتهم وما احتملوه في سبيل طاعته؛ لكان ما احتمله هو أثقل الكفتين؛ أما تبعته العامة في أمر الملك فأمر جسيم لا تعدله جسامة عمل في عصره؛ لأنه نكص

ناپیژندل شوی مخ