معاویه بن ابی سفیان

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
100

معاویه بن ابی سفیان

معاوية بن أبي سفيان

ژانرونه

ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن معاوية يعلم من فقه دينه ما لا بد أن يعلمه رجل كتب للنبي، وحضر مجالسه، وحضر عهده كله، وعهد خليفته من بعده، ومرت به الأقضية التي فصل فيها ولاة الأمر على مسمع منه، وراجع الفقهاء من الصحابة فيما أشكل عليه بعد ذلك من أشباه تلك الأقضية، فهو على نشأته الجاهلية والإسلامية لم يقصر في معارف دينه ودنياه عن الطليعة بين نظرائه من السادة الأمويين والقرشيين.

الأعمال

منذ الفتح الإسلامي لم يعزل وال واحد من ولاة الشام لشكاية الرعية منه، ولم يتول لعراق وال واحد لم يعزل للشكايات الكثيرة، التي كانت تتقاطر على دار الخلافة من رعيته.

ويزول العجب بعض الشيء إذا نحن قسمنا القطرين قسمين آخرين: قسم هو حصة الدولة البيزنطية، وقسم هو حصة الدولة الفارسية.

فالشام التي كانت حصة الدولة البيزنطية كانت طويلة العهد بالنظم الإدارية والحكومية، وكانت فيها مدن من عواصم الدولة الكبرى، وعليها رؤساء من المميزين في الدولة بشارات السياسة والدين، وقد فتحها المسلمون على شروطهم المحدودة للذميين المعاهدين؛ لأن أهلها كانوا جميعا من أهل الكتاب، فلما استقر الأمر للدولة الإسلامية فيها بعد زوال الدولة البيزنطية، لم تكن من جانب الرعية مقاومة إجماعية، ولم يكن على شروط المعاهدة خلاف بين الحكام والمحكومين.

وكانت الشام كذلك أقرب إلى الاستقرار؛ لأن حدودها جميعا كانت في بلاد الدولة الإسلامية، إلا الجانب الذي يلي تخوم الدولة البيزنطية، ولم يكن منه خطر كبير بعد صدمة الهزيمة الكبرى التي مني بها هرقل، وودع بعدها تلك البلاد وداع الأبد، وكان كل خطر من هذا الجانب - عظم أو صغر - تتلقاه الدولة الإسلامية بجيوشها البرية وأساطيلها البحرية في جملتها، فلم تكن الشام منفردة بالدفاع إذا هجم الروم برا أو بحرا، بل كانت الولايات من إفريقية ومصر، ومن الجزيرة في بعض الأحايين تتجمع لدفع الهجمات أو لاتقائها قبل وقوعها.

وكانت سياسة عمر في تمكين الفتوح وتحصينها أنفع السياسات للشام خاصة؛ إذ كانت خطته كما جاء في فتوح البلدان للبلاذري أنهم «كلما فتحوا مدينة ظاهرة، أو عند ساحل رتبوا فيها قدر من يحتاج لها من المسلمين، فإن حدث في شيء منها حدث من قبل العدو سربوا

1

إليها الإمداد.»

فانتظمت معاقل الدفاع عن الشام على شواطئها وعند أطرافها، وأحيطت من كل جانب بالمدافعين عنها من جند الدولة الإسلامية في الشرق والشمال والجنوب. •••

ناپیژندل شوی مخ