يا نفس! تأملى جوهرك واعتبريه، واعلمى أن جوهر النفس جوهر عال شريف — وذلك بمناسبتها جميع العوالم وحلولها بكل محل، وأنها تنسب فى بعض الأحايين إلى عالم الطبيعة فتكون إنسانية مشاهدة للمحسوسات، مشافهة للمآكل والمشارب وجميع معانى الطبيعة، وتارة تنسب إلى عالمها الأخص بها نفسا حاسة محسة مستعملة محركة متهجسة ذات استبحاث وتأمل واختبار وإرادة. فهذه المعانى هى معانى النفس، وهى الحياة المنبثة فى جميع ما احتوت عليه ملكوت النفس. وتارة تنسب إلى عالم العقل فتكون منتزعة الصور عن الهيولى، مدركة البسائط الأولى، مميزة متصورة عاقلة لجميع المعانى الفاردة البسيطة. وتارة تنسب إلى العالم الإلهى فتكون بالغة الخير والجود آمرة بهما، خالية من الشر والجور ناهية عنهما، حكيمة الأفعال متقنة الأعمال. ومن أوضح الدلائل على أن النفس تناسب العلة الأولى ما هو موجود فى خلقها من أنها تسمو إلى الإحاطة بجميع الأشياء التى يحتوى عليها الملكوت العظمى، وأنها لن تلفى مستقرة راضية تامة الرضا دون أن تبلغ العالم العقلى بجميع ما فيه، فحينئذ تلفى النفس غير طالبة شيئا قارة مستقرة تامة الرضا. ومن استعمل الإفرار فى ذاته توجد له حقيقة ذلك.
يا نفس! ما يكون أشقى منك وأعظم حسرة وقد أصبحت فى محل الأعاجم وحيدة فريدة: تبثين إليهم الشكوى بلفظك فلا يفهمونه، ويبثون إليك من لفظهم ما لا تفهمينه. ومتى قارن الشىء خلافه فهو مهجور موهون مشغول عن ذاته بذات غيره.
مخ ۱۱۵