يا نفس! ينبغى أن تعلمى وتتيقنى أن حد اللذة بالحقيقة هو ما لا يمل. ومتى طلبت النفس، وهى فى عالم الطبيعة، لذة قد سمت إلى غير موجود، وطلبت ما ليس يمكن. والدليل البين على هذا أن جميع ما تشافهه النفس فى هذه الدنيا مملول، والمملول لا ينبغى أن يسمى لذة إذ كان حد اللذة ما لا يمل. أو ما تنظرين يا نفس إلى أكثر أهل الدنيا كيف يبحثون فى طلب اللذات ويتوهمون أنها موجودة فى الدنيا وليس هى بموجودة. فتبينى أن الناس يطلبون فى الدنيا ما ليس فيها.
يا نفس! تأملى نفوس الناس كيف يرد إلى معانى الدنيا كلها فتشافهها مشافهة ذائق مختبر، ثم تصد عنها صدود قال ضجر. وليس أحد فى الدنيا براض بمنزلته فيها، بل قال لها ضجر منها. وهذا من أوضح الدلائل على أن النفوس إنما تبحث فى هذه الدنيا وتطلب منزلة توازى شرفها وتضاهى معانيها، فلا تصيب ذلك: فهى مقبلة مدبرة تطلب ما ترتضيه. فمتى حصل فى النفس حقيقة هذا الشرح، اقتنت الإياس وأزالت الطمع: من مطالبة اللذات، وهى فى عالم الكون.
مخ ۱۰۶