يا نفس! إن النار تطفأ ونار الشهوة لا تطفأ، والأوجاع تعرض للبدن ثم تزول فيستراح منها وأوجاع الشهوة لا يستراح منها إلا أن تداويها بالعقل؛ ودواؤها تركها واقتناء الصبر عنها، لأن حياة الشهوة مواصلتها، وموتها مقاطعتها والصبر عنها. وقد ينبغى يا نفس أن تعلمى أن شهوات الدنيا ليست كلها فى المآكل، بل فيها ما هو خارج عن المآكل، ولكن شهوات المآكل أضرها، وذلك أن الجسد لا يشتهى الأشربة إلا بعد أن يشبع، ولا يشتهى النكاح إلا بعد أن يشبع، وكذلك الكسوة وجميع المقتنيات الحاملة للنفس على ركوب المهالك والمخاوف، المخرجة لها إلى الضعة والخساسة والدناءة.
يا نفس! إنى قد بصرتك فلا تتعامى؛ وقد صوبتك فلا تتخاطى — فتعظم حسرتك ويتضاعف عذابك باتباعك هواك وشهواتك.
يا نفس! إن الأعمى إذا مشى ووقع فى جب، كان معذورا عند نفسه وعند غيره. فأما البصير إذا أتى جبا وهو ببصره فألقى نفسه فيه بهواه وشهوته فأى عذر له عند نفسه أو عند غيره!
يا نفس! ما أعظم حسرة الواقع فى المكروه بعلم وبصيرة، وما أشد عذابه! ومعنى شدة عذابه علمه ومعرفته وفطنته إلى ما فعل بنفسه. فخذى يا نفس هذه الوصايا واعملى بها — توفقى للسعادة وتفوزى بالنجاة.
مخ ۱۰۱