يا نفس! قد كنت وأنت فى عالم الوحدة غنية مبصرة عالمة؛ تبصرين العوالم كلها محضرة بين يديك، وهى كلها صافية نيرة مضيئة مشفة وفى أسفلها عالم الكون والفساد أسود مظلم وهو يلوح منها كما يلوح الحجر الأسود من الماء الصافى. فقام لك أن تدخليه لتختبريه وتعلمى علمه. فلما عزمت على ذلك خرجت عن رتبة التوحيد ونزلت إلى رتبة الاشتراك ومضيت مع الحركة تطلبين ماهويتيه فصرت إلى عالم الكون، وكان مثلك فى خروجك من عالم الوحدة ورغبتك وشرهك فى عالم المركبات كالطائر القاصد إلى الفخ ليسلبه حبته، فسلبه الفخ المنصوب مهجته؛ أو كالسمكة التى فى الماء أرادت أن تبلع طعم الصياد فبلعها الصياد فأنت يا نفس شافهت بنورك وصفائك عالم الظلمة ومازجته فأغشى نورك وأظلمه وأعماك وأخفى عنك جميع معلوماتك وما كنت تبصرينه وبقيت أسيرة رهينة. يا نفس! هذا كله بخطئك القديم. ولكن متى آثرت الرجوع يا نفس فاقصدى الأشياء الضارة التى كانت لك فى الطبيعة فانسلخى منها وتنقى فإن نقاءك منها هو سبب خلاصك ورجوعك. وإنى لأجمع لك هذه الأشياء كلها فى معنى واحد ليسهل عليك علمها، فإن هذه الأشياء كلها يجمعها معنى واحد، وهو التلذذ الجسمانى: فكل ما وجدته لذيذا بالجسد فاتركيه واحذريه، وكل ما وجدته لذيذا بالعقل فخذيه واستعمليه.
مخ ۱۰۰