يا نفس! تمثلى بالتوهم مفارقة الحواس الخمس ثم انظرى بعد ذلك هل أنت مدركة شيئا غير ما كنت مدركة له بالحواس. فإن وجدت إدراك شىء غير ما كنت مشاهدة له بالحواس، فقد آن رجوعك إلى وطنك ووقوعك على أربك. وذلك أن العقل إذا أراد إدراك شىء ما — أفرده مما سواه وانتزعه مما قارنه ثم أدركه إدراكا فاردا بذاته الفاردة لأنه كما أن الحس لا يدرك شيئا فاردا فكذلك العقل لا يدرك شيئا مركبا ولا يعلمه علما عقليا دون أن يفرد معانيه ويميزها وينزع كل جنس منها فيجعله فاردا بذاته ثم حينئذ يدرك معانيه كلها على الانفراد. — فقد تبين أن الحس الذى هو الشىء المركب يدرك المركبات، وأن العقل الذى هو الفارد البسيط يدرك الأشياء البسيطة الفاردة. فتأملى، يا نفس، كيف العقل كلما جرى مع التركيب فارق الفردانية وفارق أيضا الإدراك الفردانى الذى هو إدراك الحق واللذة بالحق والعلم بالحق. وكلما رجع متوجها نحو التوحيد وفارق التركيب والاشتراك أدرك الأشياء الفاردة الأبدية وعدم الأشياء المركبة الزمنية. فقد تبين من هذا الشرح أن حياة النفس فى مفارقتها عالم الطبيعة، وأن موتها وطول عذابها اللبوث فيه.
[chapter 11: 11] الفصل الحادى عشر
مخ ۹۸