يا نفس! تيقنى أولا أن الموت الطبيعى ليس هو شيئا غير غيبة النفس عن الجسد. فإذا تقرر هذا فى علمك فتمثلى أن الرجل الحكيم العالم هو حكيم عالم عند حضوره، وهو حكيم عالم عند مغيبه، لن ينتقل عن حكمته وعلمه أيما توجه وأينما سلك. فتنبهى يا نفس إلى هذا المعنى واقتنيه وتيقنى أيضا بأن غارس شجرة الخير وغارس شجرة الشر مختلف بينهما، لأن شجرة الخير لا تثمر إلا خيرا وشجرة الشر لا تثمر إلا شرا. فإن لم يكن ذلك كذلك فشجرة الخير إذن تثمر شرا وشجرة الشر تثمر خيرا. فإن كان هذا هكذا وكانت الشجرة تثمر غير ما فى طبعها فقد ينبغى لغارس شجرة الكرم أن يستثمر منها البلوط ولغارس شجرة البلوط أن يستثمر منها العنب. ولسنا نرى شجرة تثمر غير ما فى طبعها: لأن شجرة الكرم لا تثمر إلا عنبا، وشجرة البلوط لا تثمر إلا بلوطا. فكيف يكون، يا نفس، غارس شجرة الخير يستثمر غير الخير، وغارس شجرة الشر يستثمر غير الشر؟! — فقد اتضح ضرورة وتبين حسا وعقلا أن الشىء لا يلد ويثمر إلا نوعه وشكله. وإلا فمتى رأيت حمارا قط ينتج إنسانا، أو إنسانا ينتج فرسا! فإن يكن يا نفس قد اتضح لك هذه المعانى فاطلبى العلم بحقائق الأشياء وافعلى الخير واغرسى شجرته لينجلى بصرك فتستثمرى من عملك عملا، ومن فعلك الخير خيرا، ومن استبصارك تبصرا ونورا وهداية — فتكتسبى بذلك المحل الأعلى، وتستكملى السعادة الدائمة والراحة الأبدية.
مخ ۹۷