يا نفس: إنى لأتأمل حالك فيطول تعجبى منه! تظهرين بالقول أنك زاهدة فى الشقاء والأحزان، وأنت بالفعل راغبة فيها وملازمة لها ومغابطة لأهلهما عليهما. وتظهرين بالقول أنك راغبة فى النعيم والسرور، وأنت بالفعل زاهدة فيهما ومنحرفة عنهما ومستوحشة من الطريق إليهما. وهذا، يا نفس، فعل مختلف، والفعل المختلف لا يظهر إلا من فاعل ليس بفارد ولا متوحد بل فيه اشتراك وتركيب، لأن الشىء الفارد لا يفعل إلا فعلا فاردا لا اختلاف فيه، والشىء المختلط لا يفعل إلا فعلا مختلطا. فقد تبين الآن، يا نفس، أنك لم تتمحضى من غشك، ولم تتهذبى من سوء مكتسباتك التى اكتسبتها فى سالفات أدوارك فقد تبقى فيك جرب وصدأ هو السبب فى اختلاف ما يظهر من فعلك. فإن كان هذا الصدأ فيك بالعرض السريع الزوال — فبادر بالجلاء والصقال قبل أن يستحكم فى ذاتك. وإن كان هذا الصدأ فيك مستحكما باقيا فعودى إلى النار فانسكبى فيها لتخرجى منها صافية محضة. فإن المرآة ذات الجرب والصدأ الثابت لا ينجح فيها الجلاء ولا ينقلع صدؤها إلا بالنار والسبك. — فإذا أنت تمحضت، يا نفس، من جربك وصدئك فحينئذ يتحد فعلك بغير اشتراك ولا نفاق، فتكونين إما راغبة فى الشقاء والأحزان بالحقيقة زاهدة فى النعيم والسرور بالحقيقة؛ وإما راغبة فى النعيم والسرور بالحقيقة، زاهدة فى الأحزان والشقاء بالحقيقة. — فاعملى يا نفس بهذه الوصية — توفقى للسعادة وترشدى إلى النجاة وتهتدى إلى الإصابة فتستثمرى جميل الثواب وحسن العاقبة.
مخ ۹۶