يا نفس! إن من أصعب الأشياء وأشدها امتناعا أن تعمل صناعة الصياغة بأداة الفلاحة أو صنعة النجارة بأداة الخياطة. ولكل صنعة آلة لن يستوى عملها إلا بها لا بغيرها. وإذا كان الإنسان عارفا بجميع الصنائع ويستعمل آلاتها جميعا فقد ينبغى له إذا أراد أن يعمل الخياطة أن يرمى من يده أداة الفلاحة ويأخذ للخياطة آلاتها التى تصلح لها. وإذا أراد أن يعمل الفلاحة رمى من يده آلة الخياطة وأخذ للفلاحة آلاتها التى تصلح لها. وكذلك يا نفس ينبغى لمن أراد أن يدرك عمل الخير أن يترك من يده آلة الجهل والشر وهو حب الدنيا والرغبة فيها. فمتى هممت يا نفس بطلب العلم والخير فدعى من يدك آلة الشر، كما قد تقرر فى علمك أن الصنيعة لا تعمل إلا بآلاتها. وخذى للعلم والخير آلاتهما فإنه متى عملتهما بآلاتهما عملا بغير تعب ولا نصب. ومتى كان بيدك آلة الشر وأردت أن تعملى الخير، امتنع ذلك عليك وصعب، كما امتنع على من كان بيده آلة الفلاحة فأراد أن يعمل بها الصياغة فطال تعبه ونصبه ولم يتم له عمله. فتيقنى يا نفس هذا المعنى، واعلمى أن حب الدنيا والخير لا يجتمعان فى قلب أبدا. فتصورى يا نفس حقيقة هذا وأدركيه ببصر عقلك.
يا نفس! إنه بالعلم الحقيقى تدركين ببصرك اتصالك ببارئك ومناسبتك إياه فتلتذى بذلك لذة الحق، وأنه بالجهل تعدمين ذلك وتنكرينه، وذلك بعماك وظلمتك وخطئك وزللك فتتخيلى بالتوهم أنك من الأصناف الخسيسة وتلحقى بها فتقترنى بألوان العذاب والآلام.
مخ ۹۲