يا نفس! تيقنى ما أنا باسطه لك وممثله! فإنى اختبرت هذا العالم وبحثت عنه فوجدت هيولاه على جهة الابتداء، لا على معنى اختبار: فكل ما لطف وشرف امتاز إلى العلو، وكل ما تكاثف وخشن امتاز إلى السفل. ثم وجدت الحركة الفلكية تقسم هيولى هذا العالم على أربعة أصول، وهى: النار والهواء والماء والأرض. وإننى اعتبرت هذه الأركان الأربعة فى حركاتها ومعانيها فوجدتها تتحرك بالطبع حركة هيام وموت، لا حركة عقل وخبرة. وإنى وجدت أشياء كائنة من هذه الأركان ذات حياة ونطق وعقل فعجبت كيف تكون الأشياء الميتة الجاهلة أصولا للأشياء الحية العاقلة. ثم قلت: لعل هذه الأركان إذا امتزجت فى أبدان الحيوان الناطق أحدثت فيها حياة وعقلا. ولكن كيف ينساغ فى العقل أن يمتزج الميت بالميت فينتج من بينهما حى، أو يمتزج جهل بجهل فيكون من بينهما عقل؟ — فدعتنى الضرورة حينئذ أن أقول إن هذا الشىء الحى العاقل هو شىء ليس من هيولى هذا العالم، أعنى عالم الكون والفساد، بل من أشياء طارئة غريبة واردة وصادرة، وأنه من الممتنع أن يكون الموت ينبوع الحياة، أو أن يكون الجهل ينبوع العقل. فينبغى يا نفس أن تتيقنى أن هذا الشىء الحى العاقل ليس هو من أركان هذا العالم، بل هو شىء آخر غيره، فابحثى عنه لتعرفيه، واستكشفى حالة لتختبريه فبذلك تسعدين، وتستكملين عملك وكمالك.
[chapter 9: 9] الفصل التاسع
مخ ۹۱